دخلت إيطاليا مرحلة من الغموض السياسي، بعدما كشفت نتائج الانتخابات التشريعية فوزاً كبيراً لتحالف يمين الوسط مع اليمين المتطرف، واختراقاً تاريخياً للشعبويين الرافضين للطبقة السياسية ومؤسسات النظام.

وبذلك تنضم إيطاليا إلى موجة صعود اليمين على ضفتي الاطلسي، وازدهار الحركات الشعبوية التي تسببت في الـ"بريكست" ببريطانيا، وأعادت عملية اصلاح الاتحاد الاوروبي الى الصفر.

Ad

التحالف اليميني

وحسب النتائج الجزئية بعد فرز الأصوات في 73 في المئة من مراكز الاقتراع، فإن التحالف المؤلف من حزب "فورتزا إيطاليا" برئاسة رئيس الحكومة السابق سيلفيو برلوسكوني (82 عاماً)، و"رابطة الشمال" بزعامة ماتيو سالفيني (يمين متطرف) وحزب "فراتيلي ديتاليا" (اخوان إيطاليا) الصغير، حصل على نحو 37 في المئة من الأصوات.

لكن مع التدقيق في توزيع الأصوات داخل هذا التحالف، يتبين أن حزب سالفيني المشكك في الاتحاد الأوروبي والمعادي للهجرة والقريب من حزب "الجبهة الوطنية" الفرنسي، هو الذي يتصدر، مما قد يرغم رئيس الحكومة السابق الملياردير على الانضواء تحت راية حليفه الشاب في حال تسنى للائتلاف تشكيل حكومة.

5 نجوم الفائز الأكبر

غير أن مثل هذا الاحتمال يصطدم بالاختراق التاريخي الذي حققته حركة "خمس نجوم" المعادية لهيئات الحكم والتي باتت الحزب الأول في البلاد مع تحقيقها نتيجة تخطت 31 في المئة منفردة.

وأعلن أحد قادة الحركة أليساندرو دي باتيستا مبديا سروره: "سيتعين على الجميع التحدث إلينا"، بعد حملة انتخابية موجهة ضد الفساد و"الطبقة" السياسية الإيطالية.

ولاحقا، قال زعيم "5 نجوم" لويجي دي مايو (31 عاماً) المرشح لرئاسة الحكومة في مؤتمر صحافي في روما أمس: "لدينا مسؤولية تشكيل حكومة"، مضيفًا: "نحن قوة سياسية تمثل البلاد بأسرها، وهو ما لا يمكنني قوله عن تنظيمات أخرى"، معلنا ولادة الجمهورية الثالثة. وتابع أن "هذا الأمر يقودنا بشكل حتمي نحو تشكيل حكومة البلاد". في المقابل، أبدى دي ماريو استعداده للدخول في حكومة ائتلافية مع باقي القوى.

سالفيني

من جهته، اعتمد سالفيني، الذي نجح في تحويل رابطة الشمال القديمة الانفصالية إلى تنظيم ينادي بالسيادة، خطابا معاديا للهجرة ولبروكسل، وفق خط لقي تجاوبا على ما يبدو في بلد يشعر بالريبة حيال الاتحاد الأوروبي وشهد تدفق نحو 690 ألف مهاجر وصلوا إليه منذ 2013.

واعتبر زعيم حزب "رابطة الشمال" اليميني المتطرف ماتيو سالفيني في مؤتمر صحافي في ميلانو عقده أمس أن التحالف اليميني الوسطي "لديه الحق والواجب في الحكم"، مبديا استعداده لترؤس الحكومة المقبلة.

وأوضح انه سيتحدث "في الساعات المقبلة" مع حلفائه في الحملة وخصوصا برلوسكوني، مبديا تمسكه "بالاتفاق" الذي ينص على ان الحزب الذي يتصدر نتائج التصويت ضمن التحالف بين اليمين واليمني المتطرف، يترأس الحكومة المقبلة.

وأضاف: "لا أقول أنا شخصيا (لتولي الحكومة) وإنما فريقنا جاهز"، متابعا أن "الاتفاقات بين الأصدقاء ثابتة"، رداً على مخاوف من أن يبادر سالفيني الى التحالف مع حركة "خمس نجوم".

وعن سياساته المقبلة، شدد على أن "اليورو سيظل قرارا خاطئاً، وسنواصل العمل لتغيير الاتفاقيات الاوروبية"، معتبرا أن الإيطاليين قرروا ألا تحكمهم برلين أو بروكسل أو الأسواق المالية.

وتعهد بأن يظل شعبويا، قائلا: "من يسمع صوت الشعب ينجح في مهمته وعمله".

وحملت اللافتات الانتخابية المعلقة في مقر الرابطة في ميلانو شعارات مثل "الإيطاليون أولا" و"أوقفوا الاجتياح"، مما عكس المواضيع الكبرى التي هيمنت على حملة شهدت صعود حركات من الفاشيين الجدد وتخللها توتر وصل أحيانا إلى أعمال عنف مع ناشطين من اليسار المتطرف.

هزيمة

ومن أبرز ما يتبين في الوقت الحاضر أن برلوسكوني خسر رهانه بعدما قدم نفسه في بروكسل على أنه الحاجز الوحيد في وجه الشعبويين والقوى المعادية لأوروبا.

في المقابل، سجل الحزب الديمقرطي (وسط اليسار) الحاكم بزعامة ماتيو رنزي والذي ينتمي إليه رئيس الوزراء باولو جينتيلوني تراجعا فاق التوقعات، بحصوله على ما يقارب 19 في المئة من الأصوات، أي أقل من نصف نسبة 40 في المئة التي أحرزها في الانتخابات الأوروبية عام 2014.

وعلق ماوريزيو مارتينا، أحد كبار مسؤولي الحزب: "من الواضح أنها هزيمة جلية لنا".

والواقع أن الهزيمة تشمل اليسار بمجمله، لا سيما حركة "ليبيري أي إيغوالي" (أشقاء ومتساوون، يسارية) التي بالكاد تخطت عتبة 3 في المئة، التي تسمح لها بالدخول إلى البرلمان.

أوروبا

وفي برلين، أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن تمنيها لإيطاليا بالنجاح في تشكيل حكومة مستقرة "من أجل مصلحة الإيطاليين وأوروبا بأكملها".

لكن نتائج الانتخابات في روما تهدد بعرقلة المشروع الفرنسي الألماني لإصلاح الاتحاد الأوروبي، بعدما اكتسب زخما مع التوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة في برلين بين ميركل ويسار الوسط.

وستجبر النتائج غير الحاسمة السياسيين الايطاليين على إجراء مفاوضات يرجح ان تكون شاقة وطويلة، مما يضع الاتحاد الاوروبي في حال من الترقب.

واكتفى المتحدث باسم المفوضية الاوروبية بالقول: "لدينا ثقة" بقدرة ايطاليا "على تشكيل حكومة مستقرة"، وسط مخاوف من ان تطلب حركة "5 نجوم" مجددا اجراء "استفتاء حول موقع ايطاليا في منطقة اليورو"، الامر الذي كان احد ابرز بنود برنامجها لبضعة اشهر خلت.

«لوموند»: زلزال انتخابي وفشل لأوروبا

عنونت صحيفة لوموند الفرنسية اليسارية الرصينة في خبرها الرئيسي، أمس، «زلزال انتخابي في إيطاليا»، ونقلت عن الباحثة إيلينا موسياني، قولها إن نتائج الاقتراع تمثل فشلا لأوروبا. كما عنونت «لوموند» في افتتاحيتها: «روما، برلين، أوروبا معلقة»، في إشارة إلى انتخابات إيطاليا، والأزمة السياسية الإلمانية التي وجدت طريقها إلى الحل أمس الأول، بقبول اليسار التحالف مع المستشارة انجيلا ميركل، لكن على أسس مهزوزة.

«بديل ألمانيا»: هزيمة جديدة للديمقراطية الاشتراكية

أشاد سياسي في حزب "البديل لأجل ألمانيا" (AFD) اليميني الشعبوي بنجاح "رابطة الشمال" اليميني المتشدد وحركة "خمس نجوم" الشعبوية في انتخابات إيطاليا.

وقال بيتر بيشترون خبير السياسة الخارجية في "البديل": "مثلما ظهر في دول أوروبية أخرى، نعايش الآن هزيمة الديمقراطية الاشتراكية في إيطاليا أيضاً". وأرجع تقدم اليمين المتشدد والشعبويين إلى سياسة إنقاذ اليورو وارتفاع البطالة بين الشباب، وأيضا أزمة الهجرة "التي تعد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مشاركة في المسؤولية عنها لأنها وفرت محفزات لها". وقال بيشترون: "الانتخابات الإيطالية أظهرت أن حكومة ميركل بسياستها المقبلة على هذا النحو في أوروبا سيتكون منعزلة".

صحف إيطاليا: «5 نجوم» نجمة الانتخابات

في إيطاليا، عنونت صحيفة لاستامبا إحدى أشهر الصحف اليومية الإيطالية، ومن أكثرها مبيعا، والتي تعبر عن الليبراليين ويسار الوسط: "دي مايو يفوز وإيطاليا غير قابلة للحكم"، في إشارة الى زعيم حركة "خمس نجوم" الشاب لويجي دي مايو، المرشح لرئاسة الحكومة، الذي حقق حزبه منفردا أكبر نتيجة حسب النتائج الأولية.

بدورها عنونت "ريبابليكا" اليسارية الوسطية: "إيطاليا خمس نجوم والديمقراطي يغرق"، في إشارة الى الهزيمة التاريخية ليسار الوسط.

وعنونت "ايل فاتو كوتيديانو" في خبرها الرئيسي: "تغيير شامل"، وكتبت في عنوانها الفرعي: "5 نجوم تتألق رينزي ينتكس سالفيني يهين برلوسكوني"، في إشارة الى خسارة زعيم اليسار ماريو رينزي وتقدم سيالفيني على شريكه في الاتئلاف سيلفيو برلوسكوني.