في محكمة نورمبيرغ وقف الأدميرال كارل دونتز، الذي كان يُعتبر اليد اليمنى لهتلر مع بقية كبار قادة الجيش النازي، فصدرت الأحكام بالمؤبد على 20 منهم، وبالإعدام على 13، بينما قائد الأسطول البحري الألماني صدر عليه الحكم بالسجن 10 سنوات فقط، وأعلن القاضي:

لقد رأت المحكمة أن تأخذ في اعتبارها عند بحث إمكانية تطبيق عناصر الظروف المخففة بالنسبة إلى المتهم كارل دونتز، لموقفه من حادث إغراق الباخرة البريطانية لاكونيا. تُرى ما موقفه من هذه الباخرة؟!

Ad

***

• كان مقر دونتز في باريس، وقد أوشك على النوم عندما دخل عليه الضابط هسلر:

- ما الذي أخّرك عن النوم يا هسلر؟

- كنت نائماً حتى أيقظني عامل اللاسلكي بهذه البرقية.

- أهي من هتلر؟

- كلا من الكابتن هارنشتين قائد الغواصة 156.

- وماذا فيها؟

- يذكر أن محيط الرؤية 4 أميال، والوقود كافٍ، وكذا عدد الطوربيدات.

- ما هذا الهراء... كيف يرسل معلومات قد تقع في يد العدو؟

- المهم في البرقية يا سيدي: أغرقنا الباخرة البريطانية لاكونيا، وكان عليها لسوء الحظ 1500 أسير إيطالي، ولم نلتقط حتى الآن أكثر من 90 غريقاً، بينما كان على الباخرة 3600 رجل وامرأة وطفل... ننتظر منكم التعليمات.

- يا إلهي 3600 رجل وامرأة وطفل!

- نعم يا سيدي.

- هسلر دعني بمفردي بعض الوقت يا عزيزي.

• بعد أن خرج هسلر أعاد دونتز قراءة البرقية فهاله رقم 3600 من الرجال والنساء والأطفال، وهم يصارعون الموت غرقاً، وبعد 20 دقيقة استدعى هسلر:

- إنني في حيرة يا هسلر.

- سيدي أنصح بأمر واحد.

- ما هو؟

- أن تأمر هارنشتين بإلقاء كل من التقطهم إلى البحر ومغادرة المكان بأسرع وقت، إذ ربما يكون العدو قد فك رموز البرقية.

- لو كان هتلر مكاني لأمر بهذا... ولكن... ولكن لا أتصور هؤلاء المساكين وبقية الغرقى وهم يقضون الليل يصارعون الأمواج... ضميري لا يحتمل ذلك يا هسلر.

- إنها الحرب أيها الأدميرال.

- أجل هي الحرب القذرة. اسمع يا هسلر: أعرف أنني أخالف كل قواعد الأمن البحرية بالنسبة إلينا، ولكنني لا أستطيع أن أبعد عن خيالي منظر هؤلاء المساكين في وسط الماء. لابد من إنقاذهم... لابد من إنقاذهم، وسأبرق لهتلر.

***

• ثار هتلر وأرغى وأزبد وأرسل إلى دونتز:

"أوقف عمليات الإنقاذ على الفور، واصدر أوامرك للغواصة بالابتعاد عن الحادث بأقصى سرعة، وسأحملك مسؤولية أي نتائج مخالفة لأوامري".

• لكن الأدميرال دونتز استمر في مشروعه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الغرقى، فنجّى الأطفال وعدداً كبيراً من النساء، وبذلك يكون أرضى ضميره، وحين قُدّم إلى المحاكمة في نورمبيرغ، بعد انتهاء الحرب، كان الوحيد بين قادة هتلر من شمله حكم مخفف!