في السنوات الأخيرة، ولا سيما في سياق الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أصبح العامل الكردي عنصرا أساسيا في الشرق الأوسط، وإن كان هذا العامل لا يشكّل عنصرا موحدا ومتماسكا، ومع ذلك فقد اقتصر الاهتمام بمصير الأكراد أساسا على أكراد العراق، مع جعل أكراد تركيا وسورية أكثر بروزا من الناحية السياسية، أمّا أكراد إيران فكانوا ولا يزالون الجزء الكردستاني الذي يحظى بأقل قدر من الاهتمام في الأوساط السياسية والأكاديمية الغربية.

ومن الضروري توضيح الأسباب المفسّرة لسبب التعتيم على كفاح الأكراد، ونأخذ في الاعتبار التطورات السياسية الأخيرة، التي تشمل الأحداث التي تلت استفتاء استقلال كردستان العراق، الذي شهد مرة أخرى انتصار الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة، وخيبة أمل الأكراد إزاء الولايات المتحدة، وهناك أيضا مسألة الاحتجاجات الحالية في إيران، التي قد تطرح انتهاج مسار آخر للأحداث.

Ad

لا يؤخذ العامل الكردي الإيراني في الاعتبار بما فيه الكفاية، خصوصا إذا نظرنا إلى التوترات الأميركية مع إيران، فازدواجية المعايير هي التي تحكم العلاقات الدولية، ولكن إذا اتفقنا على وجود دولة كردية مقسّمة على دول عدّة، وعلى وجود قضية معنية بالشعب الكردي حتى لو كانت متباينة في كل بلد، لا يمكن تجاهل هذا الجزء الكبير من الشعب، أي أكراد إيران الذين لهم أثر تاريخي هائل في الحركة الكردية وإمكانات كبيرة تتعلق بمستقبل إيران.

في الوقت الذي تأسست فيه الجمهورية الكردية للمرة الوحيدة في التاريخ عام 1946 وبعد الثورة الإيرانية عام 1979، لم تعش كردستان الإيرانية تجربة الحرية والاستقلال فحسب، بل كانت أيضا مركز ثقل الحركة الكردية بأكملها ونشر الهوية السياسية والوطنية لجميع الأكراد، وما زالت حكومة إقليم كردستان العراق ترفع علم الجمهورية.

يتمتع أكراد إيران اليوم بوضعٍ استراتيجي خاص، فهم يتمتعون إلى حدٍ بعيد بدرجةٍ عالية من الوعي السياسي والقدرة الهائلة على التنظيم والتعبئة، كما يشكّلون ثاني أكبر مستوطنة كردية في المنطقة وثالث أكبر مجموعة عرقية في إيران، ويقطنون مناطق غنية بالموارد الطبيعية والأراضي الصالحة للزراعة، ولديهم طرق ومنافذ للتجارة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ومع ذلك فإن وزنهم الديمغرافي أقلّ نسبيا من البلدان الأخرى، وخلافا للازدواج العرقي الذي لوحظ في بلدان أخرى بين الأكراد والعرب أو بين الأكراد والأتراك، تضمّ إيران مزيجا عرقيا أكثر تعقيدا يتألف من ست قوميات وأقليات أخرى عدّة، ومع ذلك يواجه الأكراد في إيران سلطة مركزية تقوم على تقليد أقدم بكثير من سيادة الدولة وهيمنتها، وتوطدها القومية التي تجمع بين اللغة الفارسية والدين الشيعي، وينتمي معظم الأكراد في إيران إلى الطائفة السنية، وذلك على الرغم من أن العامل الديني ليس عاملا حاسما في التعريف السياسي لأكراد إيران حسبما يتضح في الصحوة الوطنية للأكراد الشيعة الذين يتمركزون في محافظتي إيلام وكرمانشاه في السنوات الأخيرة.

لا يستطيع الأكراد الإيرانيون الهروب من الطبيعة المناهضة للديمقراطية والمركزية والقمعية للنظام، فعلى عكس العراق لم تشهد إيران إرثا استعماريا أدى إلى الاعتراف بالتعددية العرقية، ولا تغيّرات سياسية متكرّرة خلقت فرصا للمطالب العرقية والديمقراطية. وعلى عكس تركيا لم تشهد إيران مساحة شبه ديمقراطية وفّرت فرصا للمشاركة السياسية، ولا تأثيرات خارجية مثل تلك التي مارسها الاتحاد الأوروبي قبل بضع سنوات في مجال احترام حقوق الإنسان والأقليات.

ما يطلبه الأكراد من إيران لا يختلف عمّا يطلبه الأكراد من البلدان الأخرى، وهو الاعتراف بهويتهم المتميزة، ووضع حد للسياسات التمييزية والقمعية، والاستقلال الذاتي في منطقتهم، والحصول على فرص متكافئة في الوصول إلى السلطة والموارد على الصعيد القطري.

ولكن، في الوقت الذي يستند فيه أكراد إيران إلى حقهم في تقرير المصير، فهم لا يطالبون بالانفصال عن إيران بل يكافحون لنيل حقوقهم الوطنية في إيران ديمقراطية واتحادية، كما يضعون نضالهم في خانة كردستانية وإيرانية مما يؤدي إلى عواقب متضاربة في مجال السياسية والهوية، ويشكّل في الوقت نفسه مصدرا لانعدام الثقة من جانب الإيرانيين الذين يرون بوضوح التضامن الكبير بين أكراد إيران مع أكراد الدول الأخرى (كما رأينا خلال استفتاء استقلال كردستان العراق). وهو أيضا مصدر شك من جانب الأكراد أنفسهم في إيران، والذين لا يرون مطالبهم مفهومة ومقبولة، لا من قبل الحكومة المركزية، ولا من قبل غالبية المعارضة الإيرانية.

وبالرغم من ذلك ظلّت المنظمات السياسية الكردية الإيرانية مخلصة لبعض مبادئ الأخلاق السياسية، الأمر الذي أكسبها الاحترام أكثر من القوة، فلم ترغب مطلقا في أن تكون أداة بين أيدي القوى الأجنبية أو الدول الإقليمية بما في ذلك خلال الحرب بين إيران والعراق (1980-1988). ولم تشكّل أي تحالف سياسي قد يضر بإخوانها الأكراد في البلدان الأخرى، ومع ذلك لم يغير النظام الإيراني من سلوكه ولم يأتِ رد الجمهورية الإسلامية على المطالب المشروعة والسلمية للأكراد إلا بالإنكار والقمع، ومع كل حقوق أكراد البلدان الأخرى التي يتسامح معها النظام الإيراني فإنه ليس مستعدا لمنحها لأكراده.

ويحظر النظام الإيراني على الأطفال الأكراد التعلم بلغتهم الأم، ولا يزال الناشطون المدنيون والسياسيون يخضعون للملاحقة القضائية والاحتجاز والتعذيب والإعدام، كما نفّذ النظام أعمالا إرهابية واغتال المعارضين في كردستان العراق، ولا يزال الطابع العسكري يغلب على كردستان إيران، وبالرغم من الوعود الانتخابية فهي لا تزال تعاني من التمييز والتخلف.

ولكن يظل العامل الدولي أهم عامل، حيث كانت الجمهورية الإسلامية تحاول دائما الاستفادة من موقعها الاستراتيجي وقدرتها على إثارة النزاعات في المنطقة، ولا عجب من أن تقترب القوى الغربية من إيران بحذر، حيث استجابت إيران للضغوط التي جلبتها إلى طاولة المفاوضات حول برنامجها النووي، وعلى الرغم من هذه الضغوط، استمر النظام الإيراني في مواصلة أنشطته المزعزعة للاستقرار في المنطقة.

وفي ظل غياب استراتيجية أميركية واضحة للتعامل مع النظام الإيراني، يستمر النظام في تأدية دور المفسد في العراق وسورية واليمن ولبنان؛ لذلك ينبغي ألا تنحصر هذه الاستراتيجية في الاختيار بين التدخل العسكري والاحتفاظ بالوضع الراهن، فلن تثمر العقوبات إلا إذا كانت مصحوبة بتدابير ملموسة ترمي إلى كبح نفوذ إيران في المنطقة. وعلاوة على ذلك ينبغي للضغط الدولي أن يستفيد من رغبة الشعب الإيراني في تحقيق الديمقراطية والحرية والازدهار بدلا من أن ينفر عنه.

وتطالب الاحتجاجات العامة المستمرة بالتغيير، كما تتميّز تلك الاحتجاجات غير المسبوقة بتنوع مطالبها ومكوناتها، ومن المتوقع أن تستمر على الرغم من انعدام القيادة والقمع الوحشي من النظام. وهنا يمكن أن يكون العامل الدولي حاسما، حيث يجب على العالم الحر دعم الشعب الإيراني، بما في ذلك الأكراد، ودعم نضالهم في سبيل الحرية والحقوق السياسية، وعدم التخلي عن الضغط على النظام الإيراني، الذي يصنف بشكل منهجي أي حركة احتجاجية في إيران بأنها أداة للسياسات الأجنبية، ويجب ألا تمر الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها النظام مرور الكرام بحجة الحفاظ على السيادة الإيرانية، وبالإضافة إلى ذلك من المهم ألا تقف الولايات المتحدة وحدها في تضامنها الدولي تجاه الشعب الإيراني، حيث ينبغي أن يترجم هذا التضامن بتدابير ملموسة لتعزيز العناصر المعتدلة التابعة للشعب الإيراني ويجب أن يساعد المتظاهرين إذا حاول النظام قمعهم.

إن الطريق السليم الذي يجب أن تسلكه إيران يتمثل بوجود حكومة تمثل الشعب الإيراني وتخضع للمساءلة، وتتيح للأكراد التمتع بحقوقهم السياسية والثقافية، وإن الشعب الإيراني من مختلف الخلفيات والأطياف العرقية يطلب التغيير، وقد نزل إلى الشوارع ليُعرف العالم بمطالبه، وهو يستحق دعم العالم الحر.

* أكاديمي إيراني كردي متخصص في القانون الدولي، عمل سنوات عديدة مستشارا لحكومة إقليم كردستان العراق.