تحتفل دولة الكويت غداً الاثنين بالذكرى الـ 27 لتحريرها من الغزو العراقي الغاشم بعد أن طوت صفحة سوداء من التاريخ المظلم للاحتلال الذي حاول طمس هويتها وتاريخها ووجودها.

ففي فجر الثاني من أغسطس عام 1990 استباح المحتل حرمة دولة الكويت أرضاً وشعباً ومنذ تواتر الأخبار الأولى لدخول قوات الاحتلال أعلن الكويتيون في الداخل والخارج رفضهم للعدوان السافر ووقفوا إلى جانب قيادتهم الشرعية صفاً واحداً للدفاع عن الوطن وسيادته وحريته.

Ad

وتكلل موقف الكويتيين الرافض للاحتلال بقرار مجلس الأمن رقم 660 التاريخي الذي صدر بعيد ساعات من الغزو مطالباً بانسحاب القوات العراقية الفوري من الكويت دون قيد أو شرط.

واستمرت قرارات مجلس الأمن الخاصة بالكويت تتوالى تباعاً حتى صدور القرار رقم 678 في 29 نوفمبر 1990 الذي أجاز استخدام القوة العسكرية لتحرير دولة الكويت وعودة الشرعية إليها والذي شكل صدمة كبرى للنظام العراقي البائد.

الإدارة الحكيمة

ووسط أجواء الاحتفال التي تعيشها البلاد بهذه الذكرى الغالية على قلوب أبناء الكويت لابد أن نستذكر رجالاً عظماء أبوا إلا أن يعود الحق لأصحابه وأن تعود الكويت لأهلها حرة أبية تنعم بالحرية والأمان.

فقد كان للإدارة الحكيمة حينها والتي تمثلت في الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح والأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح طيب الله ثراهما وسمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية آنذاك الدور البارز والكبير في كسب تأييد المجتمع الدولي لتحرير دولة الكويت من براثن الغزو.

وقاد الشيخ جابر الأحمد رحمه الله الجهود الدبلوماسية لحشد التأييد الدولي لدعم الحق الكويتي في جميع المنابر الدولية ونجح في الحصول على مساندة عالمية وأممية من خلال توافق إرادة المجتمع الدولي مع قيادة قوات التحالف الدولي لطرد المعتدي وتحرير الكويت.

ومن على منبر الأمم المتحدة وقف الشيخ جابر الأحمد رحمه الله يخاطب العالم عن قضية بلاده قائلاً «لقد جئت اليوم حاملاً رسالة شعب أحب السلام وعمل من أجله ومد يد العون لكل من استحقها وسعى للخير والصلح بين من تنازعوا وتعرض أمنه واستقراره ليد العبث ايماناً منه برسالة نبيلة أمرنا بها ديننا الإسلامي وتحثنا عليها المواثيق والعهود وتلزمنا بها الأخلاق».

وأضاف «جئتكم برسالة شعب كانت أرضه بالأمس القريب منارة للتعايش السلمي والإخاء بين الأمم وكانت داره ملتقى الشعوب الآمنة التي لا تنشد سوى العيش الكريم والعمل وها هو اليوم بين شريد هائم يحتضن الأمل في مأواه وبين سجين ومناضل يرفض بدمه وروحه أن يستسلم ويستكين للاحتلال مهما بلغ عنفوانه وبطشه».

تنظيم

وفي خضم الاحتفالات بهذه الذكرى المجيدة يبقى اسم الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح خالداً في تلك المرحلة واستحق بالفعل أن يطلق عليه (بطل التحرير).

فمنذ لحظات الغزو الغاشم الأولى استشعر الشيخ سعد العبدالله الذي كان ولياً للعهد آنذاك نوايا المحتل في الإطاحة برأس الشرعية في الكويت المتمثل في أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد فاتجه إلى قصر دسمان وأصر على الأمير الراحل ورفيق دربه بالخروج إلى المملكة العربية السعودية.

وبعد أن اطمأن على سلامة الشيخ جابر الأحمد رمز الشرعية شرع في الاهتمام بتنظيم أوضاع الحكومة الكويتية في المنفى وتحديد أولوياتها وعلى رأسها تأمين الحياة الكريمة للكويتيين في الخارج ورفع الروح المعنوية وتأمين حياة المواطنين في الداخل ودعم المقاومة الكويتية إلى جانب التحرك الدبلوماسي المستمر باتجاه الدول الشقيقة والصديقة لدعم مواقفهم تجاه الحق الكويتي.

وكان صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح قال في كلمة له حين كان يشغل منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية أن «لكل ذكرى عبرة وعبرة اليوم تكمن في بناء مستقبل واعد للكويتيين يقيهم شر تجربة الغزو المريرة ويحفظ آمالهم بوطن مستقر قادر ومتطور».

مواقف لا تُنسى

وفي ظل هذه الظروف برز موقف لن ينساه الكويتيون صدر من قائد عربي عظيم وهو خادم الحرمين الشريفين الراحل المغفور له الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود الذي فتح قلبه وأرضه بكل الحب لاحتضان قيادة الكويت الشرعية وشعبها ودافع عن الحق الكويتي بالمال والسلاح وكأنه يدافع عن بلده.

وبناءً على أوامر الملك فهد بن عبدالعزيز فقد فتحت المملكة العربية السعودية أراضيها منذ اليوم الأول للاحتلال لاستقبال القيادة الكويتية وأبناء الكويت ووفرت جميع التسهيلات لهم كي يشعروا أنهم في بلدهم الثاني.

وأكد الملك فهد طوال فترة الاحتلال العراقي لدولة الكويت أن المملكة ترفض هذا العدوان وتدعو إلى انسحاب القوات العراقية من الأراضي الكويتية وعودة الشرعية إليها.

وأبدى في خطاب له للشعب السعودي في 13 أغسطس 1990 ألمه الشديد لما تعرض له أبناء الشعب الكويتي بسبب الغزو العراقي قائلاً «إنها بادرة خطيرة ويحز في النفس أن يتعرض شعب الكويت لهجوم لا أخلاقي من دولة عربية جارة له وشقيقة».

ولن ينسى الكويتيون أيضاً موقف الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب الذي كان أحد الشخصيات البارزة في عملية تحرير الكويت من الغزو العراقي إذ أعلن منذ بداية الأزمة وقوفه مع الحق الكويتي وتعهده بعودة الكويت دولة حرة مستقلة.

فمنذ الساعات الأولى للاجتياح العراقي لدولة الكويت طالبت الولايات المتحدة بعقد اجتماع طارىء لمجلس الأمن حيث تم اصدار القرار 660 الذي طالب بانسحاب القوات العراقية من الكويت.

وبدأ الرئيس بوش في الوقت نفسه بالاستعداد للحشد العسكري وإرسال القوات الامريكية إلى الجزيرة العربية فيما عرف بعملية «درع الصحراء» إذ بدأت قواته بالتدفق إلى السعودية في السابع من أغسطس 1990 ليصل عدد القوات الأمريكية إلى 500 ألف جندي يشكلون ما نسبته 74 في المئة من قوات التحالف الدولية.

واستمر الدعم الأمريكي للقضية الكويتية في جميع المحافل حتى كان يوم 21 يناير 1991 عندما تمكن الرئيس بوش من اقناع مجلس الشيوخ الأمريكي باستخدام القوة العسكرية لتحرير الكويت.

عسكرياً

وكان لدور القائد العسكري الأمريكي الجنرال نورمان شوارزكوف الذي قاد عملية «عاصفة الصحراء» لتحرير دولة الكويت أثر كبير في قلوب الكويتيين حيث كان قائداً للقوات المركزية الأمريكية ومسؤولاً مباشراً عن سير عمليات المعركة عام 1991.

ولن ينسى الكويتيون أيضاً قائداً عسكرياً آخر كانت له بصمة مهمة في تحرير الكويت هو الفريق الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات في حرب تحرير الكويت.

وتبقى هناك مواقف لا يمكن أن تُنسى سطرها شعب الكويت في الداخل رجالاً ونساءً في سبيل تحرير وطنهم إذ نظموا أنفسهم بدعم من قيادتهم الشرعية في الخارج وانخرطوا في خلايا لتنظيم أمورهم اليومية وأخرى لمقاومة المحتل والدفاع عن تراب الوطن حيث استشهد العديد منهم مخلدين أسماءهم في تاريخ البلاد بأحرف من نور.