تريد رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ترك مسألة السياسة الخارجية والأمنية المشتركة مع الاتحاد الأوروبي حتى السنة المقبلة، ولكنها ستظهر مرونة إزاء الخطوط البريطانية الحمراء الرامية إلى ضمان معاهدة أمنية جديدة.

وقد أبلغت ماي مسؤولين أوروبيين وأميركيين في مؤتمر ميونيخ للأمن في الأسبوع الماضي بعدم وجود سبب «يحول دون اتفاقنا على تنفيذ سياسة خارجية ودفاعية للتعاون المشترك»، وأضافت أن الجانب الرئيس لشراكتنا المستقبلية في هذا الميدان سيكون جاهزاً بحلول العام المقبل».

Ad

ولفتت إلى أنه «ليس علينا الانتظار عند عدم وجود حاجة إلى ذلك»، وهي فكرة موجهة إلى المتشددين في حزبها وإلى المسؤولين الأوروبيين المطالبين بمزيد من التوضيح إزاء رؤية بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.

كما دعت تيريزا ماي شركاء بلادها في التكتل الأوروبي إلى عدم السماح «للقيود الدستورية المتشددة» بالوقوف في طريق شراكة أمنية واسعة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد نظراً لوجود «عواقب ضارة» في حال عدم التوصل إلى اتفاق في هذا الصدد.

وحاولت ماي إظهار نبرة تصالحية بقدر أكبر في خطابها في مؤتمر ميونيخ للأمن مما كان الحال في رسالتها إلى اللجنة الأوروبية في الأسبوع الماضي عندما تطرقت إلى ما وصفته باتهامات «بالابتزاز».

وشددت رئيسة الوزراء البريطانية على الإشارة إلى أن مذكرات الاعتقال الأوروبية قد مكنت من تحقيق تعاون أمني بين أيرلندا وأيرلندا الشمالية كما لفتت إلى الأسلوب «البراغماتي والعملي» الذي اتبعه وزير الخارجية البريطاني في تلك الفترة جيمس كالاهان إزاء تشكيل مجموعة مضادة للإرهاب في أعقاب عملية العنف التي شهدتها الألعاب الأولمبية في ميونيخ في سنة 1972.

وأشارت ماي إلى أن عمليات استرداد المطلوبين خارج نطاق مذكرات الاعتقال الأوروبية يمكن أن تكلف أربعة أمثال الوقت اللازم لتحقيقها.

لكن خطاب رئيسة الوزراء البريطانية ظل غامضاً فيما يتعلق بالنقاط الحقيقية في الجدال حول ترتيبات الأمن المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، وقالت إن «بريطانيا قد احترمت دور محكمة العدل الأوروبية عندما شاركت في الوكالات الأوروبية».

وعلى أي حال يدرك الكثير من قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن المملكة المتحدة التي تملك ثاني أكبر ميزانية دفاعية في حلف شمال الأطلسي وتتمتع بموارد وخبرة تفتقر إليها كثير من دول الاتحاد، ولكن شريحة أخرى ترى أن خروجها من السوق الواحدة، ورفض التقيد بقرارات محكمة العدل الأوروبية يعنيان أن المملكة المتحدة لن تتمكن بعد الآن من المشاركة في مؤسسات مشتركة مثل «يوروبول» الأمنية الأوروبية أو مهام عسكرية.

ويعتمد المفاوض الرئيس في الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه الموقف الأخير، وقال في شهر نوفمبر الماضي إن مغادرة يوروبول ووكالة الدفاع الأوروبية كان «النتيجة المنطقية للخيار السيادي الذي اتخذه الشعب البريطاني».

موقف برلين

ويتمتع هذا الموقف بمتعاطفين في برلين على الرغم من خشية البعض من المسؤولين من سيناريو الوضع الأسوأ الذي يتمثل في شطب الاستخبارات الألمانية معلومات نظيرتها البريطانية عندما يدخل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ الكامل.

قد يكون لدى فريق رئيسة الوزراء البريطانية نظرة تقول إن محكمة العدل الأوروبية تتمتع بدور طفيف في العلاقات مع يوروبول أو مذكرات الاعتقال الأوروبية، وهو ما يتطلب قيام الدول الأعضاء بصورة آلية باعتقال وتحويل مجرم مشتبه فيه أو مدان إلى الدولة المعنية.

وعلى أي حال يعتقد كثيرون في جانب الاتحاد الأوروبي أن محكمة العدل الأوروبية ستكون أساسية من أجل توفير إشراف قضائي نهائي على قوانين مشاطرة المعلومات القياسية التي تؤكد قوانين الأمن الأوروبية.

وتقول صوفيا بيتش من مركز الإصلاح الأوروبي إن «تيريزا ماي محقة في التحذير من ترك الأيديولوجية تقف في طريق الأمن ولكن رسالتها يجب ألا توجه إلى الاتحاد الأوروبي فقط وذلك لأن عليها أن تقول الشيء ذاته الى أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في بلادها الذين يعارضون بشدة محكمة العدل الأوروبية على أسس عقائدية. ثم إن وجود محكمة مشتركة للحكم بين الدول هو الحل البراغماتي للتعاون الأمني».

رأي تيريزا ماي

تؤكد ماي وجود أساس قضائي لمستقبل اتفاق الأمن الذي حظي «باحترام سيادة الأوامر القانونية في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي» معاً، وقالت «عندما تشارك المملكة المتحدة في وكالات الاتحاد الأوروبي فإنها ستحترم قرارات محكمة العدل الأوروبية والحل البراغماتي من أجل التوصل الى تعاون قضائي سيكون ضرورياً من أجل احترام وضعنا القانوني الفريد كدولة ثالثة ذات نظام قضائي سيادي».

وتضيف «سنكون في حاجة إلى الاتفاق على صيغة قوية ومستقلة القرارات المتعلقة بالنزاع في كل مجالات شراكتنا المستقبلية، بحيث يتمتع الجانبان بالثقة الضرورية، وعلينا أن ندرك أيضاً أهمية حماية الترتيبات الشاملة والقوية».

وتتابع «حماية معلومات المملكة المتحدة ستضمن أن بريطانيا ترتبط بإطار عمل الاتحاد الأوروبي».

من جهتها قالت عضوة حزب العمال في البرلمان البريطاني إيفيت كوبر التي ترأس لجنة الاختيار إن هناك مخاوف حقيقية من أن يفضي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الى نهاية عضوية المملكة المتحدة في اليوروبول ومذكرات الاعتقال الأوروبية.

وأضافت كوبر «حتى الآن بدا كما لو أن الخط الأحمر الذي وضعته رئيسة الوزراء على محكمة العدل الأوروبية سيمنع عضوية بريطانيا في اليوروبول ومذكرات الاعتقال الأوروبية ومشاطرة المعلومات؛ ولذلك فإن إشارتها إلى أن المملكة المتحدة ستحترم دور محكمة العدل الأوروبية تثبت أهمية الأمر، ونحن ننتظر تحقيق ذلك».

من جهة أخرى استبعدت ماي إجراء استفتاء آخر على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقالت إنه لن تكون هناك عودة عن نتائج التصويت الذي جرى في شهر يونيو من عام 2016.

● فيليب أولترمان