في 13الجاري، أوعز مسؤولو الشرطة الإسرائيلية إلى المدعي العام في البلاد بتوجيه اتهام إلى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في قضيتين منفصلتين بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. وفي أعقاب ذلك أصبح مستقبله السياسي على المحك. ففي إحدى القضيتين اتُّهم رئيس الوزراء بقبول هدايا بقيمة 280.000 دولار من أشخاص معيّنين مقابل تعزيز مصالحهم، في حين اتُّهم في القضية الثانية باتخاذ إجراءات لإضعاف مكانة إحدى الصحف مقابل الحصول على تغطية لصالحه في صحيفة أخرى.

ولم تمضِ دقائق على اتخاذ هذه الخطوة حتى ظهر نتنياهو على شاشة التلفزيون الوطني لدحض تلك الادعاءات، مشيراً إلى أن الشرطة متحيزة ضده ومذكّراً المشاهدين بسجلّه الطويل في الخدمة العسكرية والحكومية. وردّ النقاد عليه مجادلين بأنه يحاول إضعاف مؤسسة رئيسة لإنفاذ القانون والتقليل من أهميتها، بيد أن الخطاب يدّل على أن نتنياهو أدرك إمكان أن يكون مصيره السياسي في يد محكمة الرأي العام حتى ولو انتهى أمر مصيره القانوني بيد المحاكم.

Ad

السياسيون والاستطلاعات

على مختلف أعضاء الائتلاف الحاكم لنتنياهو، ومن بينهم بعض خصومه، أن يقرروا الآن بين البقاء في الحكومة أو الانسحاب منها، وبما أن السياسيين يراقبون عن كثب استطلاعات الرأي، فقد يصبح لطريقة تعامل الشعب مع خطورة الادعاءات أهمية كبرى. ومن غير الواضح إذا كان الرأي العام الإسرائيلي سيتأثر بالتصريح الذي صدر يوم الثلاثاء المنصرم حول قضيتين عالقتين أخريين مرتبطتين بنتنياهو. وتقول الشرطة إن رئيس الوزراء ليس هدفاً رسمياً لتحقيقاتها في القضية التي تنطوي على أكبر ربح مادي وعلى اتهامات بالفساد ترتبط بدور صهره المحامي في الصفقة الحكومية لشراء غواصات ألمانية بقيمة تصل إلى 2.5 مليار دولار.

ويقول أبرز زملاء نتنياهو وخصومه - بمن فيهم وزير المالية موشيه كحلون ووزير التعليم نفتالي بينيت - إنهم لن يتخذوا أي موقف بشأن هذا الموضوع إلى أن يقرر المدعي العام أفيشاي مندلبليت إذا كان سيوجه الاتهام إلى نتنياهو أم لا. وقد أثارت هذه التصريحات الملتبسة تكهنات بأن الزعماء السياسيين ينتظرون ردّ فعل الشعب، على الرغم من أن بينيت وبّخ نتنياهو في وقت لاحق لأخذه هدايا من مليارديرات أميركيين.

جداول قانونية وسياسية

ينص القانون الإسرائيلي على أنه يحق لنتنياهو طلب جلسة استماع في محكمة إذا قدّم مندلبليت توصية أولية بتوجيه الاتهام إليه في أي من القضيتين، حيث لا تصبح لائحة الاتهام نهائية إلا بعد جلسة الاستماع المذكورة. ويرى المستشار السياسي لرئيس الوزراء وغيره من المقربين إلى نتنياهو أنه ربما سيضطر هذا الأخير إلى التنحّي إذا لم تجرِ تلك الجلسة في ما يصب في مصلحته. ومع ذلك، من الواضح أن فريق نتنياهو يعتمد على الواقع بأن العملية برمتها قد تستغرق ما يقرب من عام - وهي المدة نفسها المتبقية من ولاية الحكومة قبل مواجهتها الانتخابات الإلزامية وفقاً للقانون.

الرأي العام قد يؤثر على حسابات نتنياهو أيضاً، فقد أعرب في التصريح الذي ألقاه في 13 فبراير أنه سيواصل تأدية مهامه «بإخلاص ومسؤولية»، ولكن لن يستبعد فكرة استباق لوائح الاتهام المحتملة عبر الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة لاستعراض قوته السياسية أمام المؤسسة القانونية. من وجهة نظر مستشاريه هناك «منطقة رمادية» حول ما إذا كانت الهدايا المزعومة بقيمة 280,000 دولار أثرت فعلاً على قرارات نتنياهو، ولذلك فهم يأملون أن يؤثّر هذا الالتباس على مندلبليت، الذي كان مساعداً سابقاً لرئيس الوزراء، ولكن قد يكون هذا النوع من الحسابات السياسية مجرد محاولات يائسة لإنقاذ الوضع.

سابقة أولمرت

يبدو أن نتنياهو يعتمد أيضاً على واقع غياب أي نص قانوني صريح يفرض على رئيس وزراء مُتهم التخلي عن منصبه، ففي عام 1993، أصدرت المحكمة العليا في إسرائيل قراراً يفرض على وزراء الحكومة التنحي إذا ما وُجهت إليهم لوائح اتهام. ولكن الوضع أكثر تعقيداً فيما يخص رئيس الوزراء، ذلك لأن استقالته تعني استقالة الحكومة بأسرها.

وتجدر الإشارة إلى أنه عندما نشأت حالة مماثلة في عام 2008 - عندما تنحّى رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت وسط اتهامات بالفساد - لم يكن ذلك الأمر شرطاً قانونياً أرغمه على الاستقالة، بل كان الدور الحاسم الذي اضطلع به وزير الدفاع آنذاك إيهود باراك، الذي قال إن الادعاءات تجعل من المتعذر بقاء أولمرت في منصبه حتى قبل صدور أي لوائح اتهام. ولكن لم تظهر حتى الآن أي شخصية شبيهة بباراك في الحكومة الجديدة، على الرغم من أن نتنياهو نفسه ندد بأولمرت بشدة بعدما أوصت الشرطة باتهامه عام 2008، مصرّحاً بأنه «لا يملك أي صلاحية عامة أو معنوية لتقرير مثل هذه القضايا المصيرية لدولة إسرائيل عندما تكون هناك مخاوف - ولا بد لي من القول إنها مخاوف حقيقية وليست من دون أساس - من أن يتخذ قرارات بناءً على مصلحته الشخصية في البقاء السياسي وليس على أساس المصلحة الوطنية».

الأثر على السياسات

قد يشكك المراقبون فيما إذا كانت قرارات نتنياهو بشأن قضايا الحرب والسلام ستتأثر بوضعه القانوني الشخصي. وقد اتضح أن نتنياهو مشهور طوال فترة ولايته بابتعاده عن المجازفات في مثل هذه القضايا، فمنذ توليه منصب رئيس الوزراء للمرة الأولى عام 1996، تفادى إلى حدٍّ كبير استخدام القوات البرية في المعارك (باستثناء واحد - عندما كان يخشى من قيام «حماس» بحفر أنفاق إلى داخل إسرائيل خلال حرب غزة عام 2014).

بالإضافة إلى ذلك، يختلف النظام البرلماني الإسرائيلي عن النظام الرئاسي الأميركي كونه يمنح المؤسسة الأمنية دوراً أكثر أهمية في اتخاذ القرارات العسكرية، فعلى سبيل المثال، إذا تصاعد الوضع في سورية بعد الأحداث التي وقعت منذ أيام بين إسرائيل وإيران، فإن أي قرار رئيس تتخذه القدس يستدعي مشاركةً كاملة من الجيش والحكومة الإسرائيلية المصغرة، وليس من نتنياهو وحده.

أما في ما يخص التداعيات على السياسة مع الولايات المتحدة، فلا شك أن نتنياهو سيعتمد أكثر فأكثر على قاعدته اليمينية للحفاظ على الدعم اللازم خلال هذه الفترة، ما قد يجعله أكثر عرضة للضغط على القضايا التي تهم هذه القاعدة (مثل ضم مستوطنة معالي أدوميم في الضفة الغربية بقرار أحادي الجانب). ولذلك، أصبحت فكرة إحراز تقدم في خطة السلام المحتضرة التي وضعتها إدارة ترامب مستبعدةً تماماً أكثر من السابق، لا سيما في الوقت الذي يُقاطع فيه الفلسطينيون المسؤولين الأميركيين. ومن ناحية السياسة تجاه إيران، من المؤكد أن نتنياهو سيواصل حث الرئيس ترامب على «إصلاح» الاتفاق النووي «أو إلغائه»، على الرغم من أن التأثير الفعلي لعِظاته لا يزال غير مؤكد.

* ديفيد ماكوفسكي

* مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط بمعهد واشنطن.