حضرت المنتدى الفكري السنوي الرابع للمنبر التقدمي في مملكة البحرين الشقيقة الأسبوع الماضي، والذي تناول العلاقة بين الدولة المدنية والبنى التقليدية في مجتمعات الخليج بصورة رئيسة، وكان الحضور الكويتي بارزاً ومشرفاً، حيث شارك العديد من الكتّاب والباحثين والنشطاء السياسيين ومحركي المجتمع، كما كانت إضافاته في النقاشات غنية وعميقة. جميل هو التقاء العقول وحوارها الحر في هذه الفعاليات الثقافية التي نحن في أمسّ الحاجة إليها، خصوصاً في ظل ظروفنا الحالية.

تم طرح العديد من القضايا والتساؤلات المهمة في المنتدى، كمدى الصِدام أو التوافق– إن وجد- بين نظام الدولة الحديثة والبنى التقليدية كالقبيلة والطائفة، وناقش الدكتور محمد عبيد غباش في ورقته العلاقة بين صغر حجم الدولة واستقرارها، ومدى فعالية الأنظمة القبلية والعشائرية في الحفاظ على استقرار هذه الدول الصغيرة، مقابل تبني الأنظمة المدنية المتقدمة كالمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية، فكلما زادت الطائفية والتمييز العنصري قل الاستقرار، لا سيما في هذه الدول الصغيرة.

Ad

وتناول الدكتور خالد العزري أسباب صعوبة التحول إلى الديمقراطية في الخليج على الرغم من التطور السريع الذي شهدته المنطقة في العمران بسبب الثورة النفطية، والتمسك الشديد بالأنظمة العشائرية المتشددة والتي تتبع منهجية «أنا والآخر»، مما يهدد الاستقرار مستقبلاً في تلك الدول الريعية، وبالتالي ضرورة وجود الأنظمة الحداثية التي تكفل حقوق الجميع. ثقافة القبيلة وبنية العشيرة وجدتا في شبه الجزيرة منذ الأزل، حيث كانتا موجودتين حتى ما قبل الإسلام، وكانتا ضرورة آنذاك لتنظيم الأمور والبقاء على الحياة الكريمة في ظل الظروف القاسية. لا ضير في استمرار القبيلة كنظام عائلي متماسك، لكن المشكلة تكمن في تغلغل العصبية القبلية والطائفية في مختلف الأنظمة الحكومية المدنية، مما يعطل العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجميع في الحقوق والفرص، فلا بد أن يكون الانتماء إلى الوطن أولاً.

أيضاً عقبت الدكتورة انتصار البناء في ورقتها على وجود العشائرية والعصبية القبلية حتى في تلك الدول العربية التي تزعم أنها ذات نظام جماهيري. محاضرات مهمة ونقاشات ثرية وقيّمة يصعب اختصارها واختزالها في مقال واحد.

وقد سعدت كثيراً بدفء الاستقبال وحسن الاهتمام الذي حظيت به من أعضاء المنبر والحضور خاصةً، ومن الشعب البحريني بشكل عام، فهو شعبٌ لطيف، متواضع، حلو المعشر ويتسم بالعفوية وحب المساعدة.

نشر الوعي والثقافة من خلال هذه الفعاليات ضرورة، وفتح أبواب الحوار والتعاون ما بين الدول الشقيقة ظاهرة صحية. هكذا نخلق الوعي لدى الشعوب.