عن "القبس" عدد 19 فبراير، كتب المحرر أن الحكومة "... تعترف رسمياً بعدم وجود استراتيجية شاملة لمكافحة الفساد، كما ورد في خطة التنمية 2018-2019، المرسلة إلى مجلس الأمة بتوقيع من وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية هند الصبيح"... ونقل المحرر عن "مصادر" أن الحكومة تردد كلاماً مكرراً عن "أدبيات ما يشبه التنويم المغناطيسي، مثل القول إن الحكومة تشجع الحوكمة المؤسسية لجملة أهداف أبرزها الاستخدام الأمثل لموارد الدولة..." ويتساءل المحرر الصحافي "... عن أي استخدام أمثل يتحدثون إذا كانت خطط التنمية التي انطلقت منذ سنوات وبعشرات المليارات من الدنانير لا تواكبها خطة لمكافحة الفساد؟ فمن يضمن عدم وجود فساد في عقود مليارية...؟ وتشير مصادر إلى أن الشبهات لا تطال العقود والمناقصات فقط، بل إن سوء استخدام الموارد يشمل مكافآت مليونية لا يستحقها من يتقاضاها وترقيات بالمحسوبيات وهدراً في التموين المدعوم، كما في دعم العمالة... والهدر في العلاج بالخارج... إلخ.

لن أعيد كتابة تحليل محرر "القبس"، الذي لن يقرأه أهل الحكومة، وإن قرأوه مصادفة فلن يكترثوا بما جاء به، فجلودهم في الحديث عن الفساد وقضاياه أضحت سميكة جداً، فهم يعرفون أنه مهما تحدثنا عن الفساد في دولة المقاولات والمحسوبيات فهذا لن يحرك شعرة واحدة عندهم، وفي أفضل الأحوال لن يعقبوا بغير عبارة اليأس مثل "الشق عود".

Ad

السؤال هنا: هل هناك جدوى من الحديث العام عن الفساد وأربابه ونحن نشاهدهم – حتى بعد أزمة تدهور سعر برميل النفط - يتحركون ويأمرون ويتحدثون بكل أمور الدولة حتى عن الفساد، ونحن نعرف أنهم أساساً حواضن الفساد، والدولة كلها تكاد تصبح مثلثاً جغرافياً من الفساد، بكل صوره، من تفصيل المناقصات حتى التعيينات في الوظائف العالية حسب قواعد المحسوبية والقرابة، إلى تقديم الرشوة للحصول على خدمة مستحقة، وهي حق لكن "دهان السير" أصبح ضرورة حتى تمشي أمورك.

من جديد نكرر، هل هناك جدوى من الحديث عن الفساد مع كل خالص التقدير للثرثرة السلطوية عن وجود المؤسسات التي تحاسب مثل مكافحة الفساد والسلطة القضائية... إذا كان أي حديث عن الفساد يصلك الرد بسرعة "هات الدليل" وقدمه لنا...؟! مع أن الدليل موجود لديهم... الدليل هو "أنتممممم... ماكو غيركم"، فأي دليل تتحدثون عنه ونحن نلمس قذارة الفساد لمس اليد كل يوم بكل صغيرة وكبيرة في الدولة، ونشاهد ملاحقة من يتحدث ويجهر به وتنعم أبطاله بملايينهم وعقودهم وصفقاتهم؟

لنا إيمان مطلق بأن الفساد هو من الأسس التي قامت عليها الدولة الحديثة النفطية الريعية، واستمر عقوداً منذ ولادة التثمين، وتفصيله حسب قانون المحسوبيات وللمقربين، وحتى اليوم بتعيين قريب هذا أو ذاك الوزير في منصب قيادي، أو تمرير معاملة حسب قواعد الواسطة والمحسوبية، ولا مكان للحديث الممل عن التنمية والفساد، لأن الجماعة هم الجماعة، لم يتغيروا... لم يتبدلوا... وسيظل الفساد باقياً طالما ظلوا باقين في مركز القرار السياسي.

أقصى ما يمكن أن نفعله للحديث عن الفساد، هو ألا نتحدث عنه، والأفضل أن نقدم كهدايا عشرات ومئات المرايا لأهل السلطة بكل درجاتهم... وندعوهم إلى أن يشاهدوا الفساد مجسداً أمامهم في مرايا انعكاس الذات.