يحفل سوق النفط العالمي، منذ بداية العام الحالي، بمستجدات لافتة على صعيد الإنتاج العالمي بقيادة التغيرات المتعددة في السوق الأميركي، التي جعلت منظمة الدول المصدرة للنفط تطلب لأول مرة الاجتماع بمنتجي النفط الصخري، على هامش مؤتمر سيرا الشهر المقبل، في خطوة لافتة من منظمة اعتادت لسنوات ان تقلل من قيمة هذا النوع من النفط غير التقليدي.

فـ"أوبك" بقيادة الدول الخليجية التي مددت اتفاقها مع المنتجين من خارج المنظمة على خفض الإنتاج بما يوازي 1.8 مليون برميل يومياً، حتى نهاية العام الحالي، مع حديث عن "التعاون" بعد هذا الموعد، تواجه اليوم نموا لافتا في انتاج النفط الخام من الولايات المتحدة، عند أعلى مستوى منذ عام 1970، إذ تجاوز الانتاج الأميركي 10 ملايين برميل يوميا، أي بزيادة توازي 28 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي، مدعوما بارتفاع إنتاج النفط الصخري الذي يمثل نصف الى ثلثي هذا الانتاج، فضلا عن أحداث متفرقة جيوسياسية او اخرى تتعلق بتوقف الانتاج لأحداث امنية او فنية.

Ad

قفزات إنتاج

وكلما ارتفعت أسعار النفط المدعومة أصلا باتفاق خفض الانتاج من "أوبك" وخارجها، فإن فرص تحقيق قفزات في انتاج النفط الصخري تبدو عالية، إذ إنه مع ملامسة خام برنت مستوى 70 دولارا للبرميل أظهر "الصخري" سرعة في الاستجابة لصعود الأسعار بزيادة الإنتاج، خصوصا أن معظم التحليلات الحالية في السوق تشير الى مستويات أسعار لعام 2018 تراوح بين 59 الى 62 دولارا للبرميل، وهي مستويات مريحة لمعظم هذه الشركات، اذ تشير بيانات لحقول الانتاج الصخري الرئيسية إلى أن تكاليف الإنتاج فيها تتراوح بين 46 و55 دولارا للبرميل الواحد.

وبعد أن كانت "أوبك" تقلل من قيمة انتاج النفط الصخري وأدواره في السوق باتت اليوم تتحدث على لسان رئيسها وزير الطاقة الاماراتي سهيل المزروعي عن رغبتها في عقد لقاء مع شركاته المنتجة، بعد أن سبق لأهم مندوبيها وزير الطاقة السعودي خالد الفالح الحديث عن "أهمية التعايش مع النفط الصخري"، مما يعد عدولا عن استراتيجية سابقة لـ"أوبك"، قبل نحو 4 سنوات، لم يكتب لها النجاح، كانت تتبنى ضخ أكبر كميات ممكنة من الخام، للتخلص من النفط الصخري الأميركي، عبر تخفيض أسعاره، وبالتالي إفلاس شركاته!

صعوبة التنسيق

وفي الحقيقة، فإن التعايش أو الاجتماع مع شركات النفط الاميركية التقليدية والصخرية لا تبدو سهلة، لأكثر من ناحية؛ أهمها صعوبة الانضمام او التنسيق في اتفاق ما، مع بقية منتجي النفط لاعتبارات تتعلق بقوانين مكافحة الاحتكار التي تمنع اتخاذ قرارات تنسيقية من شأنها التحكم بالاسعار، ناهيك عن تلك المرونة التي تتمتع بها شركات النفط الصخري والتقليدية في التكيف مع اي أسعار في السوق، وهو ما لا تتمتع به الدول, فالشركات تستطيع أن تضع لنفسها هامشاً محدداً من الأعمال، والعمل على خفض كلفة الاستخراج، إلى جانب قدرتها على التحول السريع في اتجاه إعادة ورفع الإنتاج وتحقيق الأرباح لمساهميها وسهولة التعامل مع خطط تقليص الإنفاق وإلغاء المشاريع، على عكس الدول النفطية، ولاسيما الخليجية منها، التي يرتبط الإنفاق العام فيها بأسعار النفط بنسب توازي 90 في المئة من الميزانية، فضلاً عن صعوبة إقرار مشاريع تقشف.

وتشير بيانات "بيكر هيوز" الأسبوعية الى أن الزيادة في عدد الحفارات العاملة في الحقول الاميركية، خلال الأسبوع الماضي، بلغت 8 حفارات جديدة، ليبلغ العدد الاجمالي من الحفارات العاملة 798 حفارة، مقابل 591 حفارة لنفس الفترة من العام الماضي، وهو مؤشر مستقبلي للانتاج يشير الى ان النفط الاميركي سيمثل نموا اضافيا في السوق على المدى المنظور.

حلول الخليجيين

وفي الحقيقة، فإن معطيات وتحولات سوق النفط الجديدة، خصوصا لدول الخليج المنتجة يعد واحدا من أهم التحديات على المديين المتوسط والطويل، فالأسواق لم تعد مستقرة كالسابق، والعوامل الخاصة بالنمو العالمي وحجم الطلب وتعدد المنتجين كلها تضغط على هذه الدول في سلعة لا تمتلك وحدها قرار تحديد مسارها، وبالتالي فلا حل أفضل من التوجه الى الخيار الذي يضمن الديمومة والاستمرارية، وهو عدم الاعتماد على النفط كأساس للميزانيات وما يترتب عليه من انكشاف على تقلبات الأسواق والدخول في أزمات، كلما تراجعت الأسعار، فالدول بطبيعتها تحدد خياراتها في تأمين مستقبلها، من خلال تنوع إيراداتها والعمل على خلق اقتصاد مساند لتكون أقل عرضة للمخاطر والأزمات.