عندما قرأت مواد مشروع قانون تنظيم العمل الخيري كنت أتصور أن الأمر لا يعدو كونه مزحة، ربما دسه أحد بالفضاء الإلكتروني على غفلة من أصحاب الشأن، وكم كنت أتمنى أنه كان مدسوساً على الحكومة، فمن غير المعقول أن تقدم الحكومة قانوناً رثاً هزيلاً متهتكاً كذلك القانون. ولكن للأسف، كان النص حقيقياً، وأعلنت الحكومة تقديمه فعلاً. فالقانون بشكله وتفاصيله تنطبق عليه معطيات القرون الوسطى، وهو أسوأ بكثير من قانون جمعيات النفع العام الذي يتعامل مع المجتمع بمنطق "الأخ الأكبر" في رواية 1984 لجورج أوريل. فبالإضافة إلى أن القانون يتعامل مع الجمعيات الخيرية كدكاكين حكومية، ويلغي صفتها كجمعيات نفع عام، وهو كما يبدو النموذج الذي سيتم تشريعه لجمعيات النفع العام قريباً، إلا أن القانون أيضاً يدخلنا في متاهات جديدة لملاحقة الناس وحبسهم، وكأننا "ناقصين". إن لم يتوخَّ القانون مرتكزات العدالة، يصبح قانوناً معيباً ومعيقاً لاستقرار المجتمع وأمنه، فتصدق عليه حينها مقولة "القانون شيء والعدالة شيء آخر".

هي ليست المرة الأولى، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة، فحكومتنا ومجلسنا، وبدرجة أقل معارضتنا الإصلاحية، عودونا على استهتارهم بالتشريعات، كما عودونا على أنهم يصدرون القوانين التي تخدم أهدافاً تخص فئة صغيرة ولا تخدم عموم الناس، كما عودونا على إصدارهم القوانين كردة فعل على حدث ما، ويغلفونها بديباجة إنشائية عن الاستقرار والحفاظ على أمن الوطن، وهم عنهما بعيدون. فهل نذكركم بما جرى من تخريب تشريعي خلال السنوات القليلة الماضية، بإصدار قوانين غير مدروسة مناقضة لكل مفاهيم احترام كرامة الناس وحرياتهم وخصوصياتهم، وغير متسقة مع مبادئ الدستور حول الحقوق والواجبات؟ وهل صار لزاماً علينا أن نذكركم بالأخطاء الفادحة بحق هذا الوطن والناس، بارتكاب ما يشبه الجنايات التشريعية؟ وهل هناك من يتعلم من أخطائه؟

Ad

خلال السنوات الماضية، صدرت عدة تشريعات، اضطر المجلس والحكومة أن يتراجعا عنها، ولم يأت هذا التراجع من عندهما، ففي أغلب الأحيان يتم إصلاح الأمور عن طريق تدخل من سمو الأمير أو المحكمة الدستورية. ومع ذلك، تُفاجئنا الحكومة (بنفس النهج وذات الأسلوب) بقانون العمل الخيري، وهو أحد تلك القوانين المعيبة الواجب سحبها وعدم الاندفاع وراءها، وإضافة مقدس جديد لمقدساتنا الوهمية يعاقب بموجبه من يشكك فيه، ولو كان قانون إعدام المسيء مازال موجوداً فلربما تعرض المشكك فيه للإعدام، فلا يبدو أن حكومتنا ومجلسنا يتعلمان.

كنا قد اعترضنا سابقاً بوضوح على تحصين المجلس، وحتى الدستور، من النقد، فما بالنا بالعمل الخيري الذي قام القانون بتقييده والحجر عليه استجابة لضغوط خارجية؟ ومن ثم أرضاه بتجريم نقده، لزيادة عدد المحبوسين في قضايا الرأي... وللحديث بقية.