لم يكن اختيار «النقاد»، في عضوية لجان التحكيم أو ضمن قوائم المكرمين، أمراً مألوفاً في المهرجانات السينمائية المصرية، قبل أن تتغير«الذهنية»، في توقيت متزامن مع اعتلال صحة الناقد سمير فريد، وبعد رحيله. إذ تذكر الجميع تكريمه في مهرجان «كان»، ومهرجان برلين السينمائي، ومهرجان دبي السينمائي، وأصبح تكريمه، عقب وفاته، قاسماً مشتركاً لغالبية المهرجانات المصرية والعربية، مثل الإسماعيلية و«أيام قرطاج السينمائي». من ثم، عثر «النقاد» على مكان في قوائم المكرمين، إذ كرّم مهرجان «الجونة السينمائي»، في دورته الأولى، الناقد العربي إبراهيم العريس، وكرّمت الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، الناقدة المخضرمة إيريس نظمي، بعدما كرمت سابقاً الناقد والباحث والمؤرخ الكبير أحمد الحضري في عيد ميلاده، وانتهزت جمعية الفيلم فرصة تنظيم مهرجانها الـ44، وكرمت الناقد والباحث والمؤرخ السينمائي محمود علي.

خطوة تستحق الثناء، لكن الأمر لا يمنع من التساؤل حول المعايير التي تحكم التكريم، بعدما سقط اسم الناقد الكبير أحمد رأفت بهجت، صاحب الإسهامات الكبيرة، التي لا تُنسى، في مجال نقد وتحليل الأفلام، والدور الذي لا ينكر، في إثراء الثقافة السينمائية في مصر والعالم العربي، عبر كتبه المهمة التي أصدرها، وأثرت مكتبة السينما العربية، مثل: «الشخصية العربية في السينما العالمية»، والكاميرا في أعماق العنف، واتجاهات سينمائية، وهوليوود والشعوب، والصهيونية وسينما الإرهاب، واليهود والسينما في مصر، و«اليهود والسينما في مصر والعالم العربي»، و«مصر وسينما العالم»، وهي كتب شكلت نقلة نوعية في المكتبة العربية، وجرت عليه مشاكل كثيرة واجهها بشجاعة نادرة، ووصلت إلى حد اتهامه بمعاداة السامية. جاء ذلك عقب صدور الطبعة الأولى لكتابه «الشخصية العربية في السينما العالمية» (مطبوعات نادي القاهرة للسينما عام 1987)، الذي فضح فيه اللوبي الصهيوني المسيطر على السينما العالمية، واتهمه بمعاداة العرب والإسلام من خلال تبني نجوم ومشاهير أدوا دوراً قذراً في تشويه الشخصية العربية، وإنتاج أفلام كبيرة وشهيرة، تنتصر لليهود، وتسيء إلى العرب. وهو الهجوم الذي تكرّر مع كتابه «اليهود في السينما المصرية» (2005)، الذي أصدره على نفقته الخاصة، وطالبه البعض بعده بضرورة التفريق بين «الصهيونية» كحركة عنصرية وبين «اليهودية» كديانة سماوية، ناسين أو متجاهلين أن «الصهيونية حركة سياسية يهودية»!

Ad

ظل بهجت متشبثاً بقناعاته، ثابتاً على مواقفه، التي فضحت اللوبي الصهيوني، والدور اليهودي المشبوه، وأكبر الظن أنه دفع الثمن غالياً، وإن كنت أتمنى ألا تكون وجهة نظره تلك هي السبب في تجاهل تكريمه، أو التعتيم على منجزه الثقافي الكبير، ودوره المشهود في الحركة السينمائية العربية. فعلى صعيد حركة النقد السينمائي، في ستينيات القرن الماضي، شارك في تدشين «جمعية نقاد السينما المصريين» (1972)، وتولى سكرتارية تحرير مجلة «السينما والمسرح» (1975 – 1979)، التي أصدرتها الهيئة العامة للسينما بوزارة الثقافة، برئاسة تحرير الأديب وكاتب السيناريو يوسف جوهر. كذلك شغل منصب مدير تحرير مجلة «الفنون»، الصادرة عن الاتحاد العام للنقابات الفنية، تحت رئاسة تحرير الكاتب الكبير سعد الدين وهبة، الذي وضع ثقته فيه، وارتاح للتعاون معه، حتى بعدما انفرد برئاسة تحرير المجلة (1998 – 2009)، فاختاره لعضوية اللجنة الفنية، والمكتب الفني، ومسؤولية المطبوعات، في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (1986 – 2010). شارك أيضاً في تأسيس مهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال (1991)، واختير لعضوية اللجنة العليا للدراما باتحاد الإذاعة والتلفزيون حتى 2009، وعضوية اللجنة العليا للقراءة في قطاعات الإنتاج الدرامي بوزارة الإعلام. وتولى عضوية مجلس إدارة نادي القاهرة للسينما (1970 – 1990). وطوال الوقت استمر عطاؤه النقدي، وظلت مقالاته، ودراساته، وبحوثه، محل احتفاء، واهتمام، من صحف ومطبوعات مصرية وعربية عدة.

هذه السيرة الرائعة، والمسيرة الحافلة، وقبلهما الشخصية المحترمة التي لم تبحث يوماً عن مجد شخصي أو تلهث خلف شهرة زائفة، لم تحظ بالتقدير الذي تستحقه، فيما كان ينبغي أن تكون محل حفاوة وتكريم من القيمين على مهرجاناتنا السينمائية، فمن يعرفه، أو اقترب من الرجل، يُدرك حجم ما يتمتع به، إضافة إلى ثقافته، وموسوعيته، وتفانيه في عمله، من تواضع، ودماثة خلق، وابتعاده عن أجواء النميمة، و«الشللية»، والحرص على سمعته، واستقلال رأيه، واعتزازه بكبريائه، وقدرته الفائقة على مجابهة المغريات التي تعرض لها في حياته، وهو ما يعني أن مثله لا يستجدي التكريم أبداً.