قال تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي، إن الكويت استضافت الأسبوع الفائت مؤتمراً دولياً حول إعادة إعمار العراق، وعقدُ المؤتمر في الكويت أمر محمود وإيجابي، لكن الخطأ يكمن في ارتفاع مستوى التوقعات من مثل هذا المؤتمر، إذا ما قيس بالمستوى المقدر لتكلفة إعادة الإعمار، والمستوى الملتزم به على المدى القصير.

وحسب التقرير، فإن التوقعات وفقاً لتقديرات الحكومة العراقية تشير إلى أن تكلفة إعادة إعمار العراق تبلغ نحو 88 مليار دولار، في حين التعهدات وليس الالتزامات الناتجة من المؤتمر بلغت 30 ملياراً أو نحو 34 في المئة، مما قد يترجم إلى دعم أو استثمارات من ذلك المبلغ، وعلى أرض الواقع سوف يكون أقل من ذلك بكثير.

Ad

وفي التفاصيل، فإن المؤتمر هو مجرد بناء جسر صحيح، وعلى المدى القصير لا يفترض أن تنتج عنه سوى بضعة بذور تغرس هنا وهناك، فيها الكثير من النوايا الطيبة، والمهم، فيها بناء الأساس للمصالح المشتركة والمتبادلة، فعندما خرجت أوروبا من حربها العالمية الأولى، فرض المنتصر شروطاً قاسية على المهزوم، وأدت تلك الشروط إلى وضع بائس لألمانيا، وهيأت تلك المشاعر لنزعة التطرف القومي الذي أتى بـ«هتلر» ونشوء الرايخ الثالث، ثم الحرب العالمية الثانية المدمرة.

بعدها استبدل النهج بمشروع «مارشال» لإعادة البناء وخرجت من دور البحث فكرة السوق الأوروبية المشتركة، ومع الزمن، تحولت البذرة إلى الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو أو الوحدة النقدية.

وربما ما يحدث بين الكوريتين في الوقت الحاضر هو أسلوب مماثل، بدأ بأمر بسيط جداً وهو الرياضة، وقد تتكرر هناك تجربة ألمانيا الشرقية والغربية نظراً إلى التفوق الاقتصادي لكوريا الجنوبية، علماً أن الداعم والحامي الأميركي للطرف الجنوبي المبادر، له رأي مخالف.

الدرس العام الذي يفترض الإفادة منه، هو أن النزاع والاستمرار فيه أمر غير محتمل، وأن عمليات الهدم تتم في أيام، بينما تعويضها فقط، يحتاج إلى مليارات وعقود، ومنطقتنا مليئة بمعاول الهدم، التي لا يكتشف ضررها سوى بعد فوات الأوان.

الأمر الثاني، هو أن ربط المصالح ببعضها ليس فقط طريق صحيح لتوجيه الموارد، إنما هو عنصر مانع لتصدير العنف عبر الحدود، فالبؤس ينقل كما في حالة الأواني المستطرقة خارج دوله. والأمر الثالث، هو أن الكويت بحاجة إلى تحقيق هدف تنموي هو الأهم، أي التحول إلى مركز تجاري متفوق، وذلك لن يتحقق سوى بتوظيف السياسة الخارجية ضمن أدواته، والعراق أهم أسواق ذلك المركز إن استقر وازدهر.

وهناك عوائق أيضاً قد تؤدي إلى فشل المشروع، فالعراق والكويت لا يملكان سجلاً مشرف في مؤشرات مكافحة الفساد، والفساد آفة نتيجتها تحول كل أهداف المشروع إلى نهايات عكسية.

وهناك ضعف الإدارة، فالكويت والعراق لا يملكان سجلاً من الإنجاز لمشروعات جيدة توقيتاً وتكلفة ونوعية، والفساد وضعف الإدارة يتطلبان إيجاد صيغة لوضع المشروع تحت وصاية إدارة نظيفة ومحترفة.

وهناك في البلدين معارضة قوية وعاطفية ولها في حوادث التاريخ ما يبررها، والإيمان بالمشروع يتطلب لغة خطابة عاقلة ومتمكنة لمواجهة وإقناع تلك الأطراف المعارضة.

وبإيجاز، هو مشروع صحيح، لا يفترض أن ترتفع التوقعات حول إنجازاته على المدى القصير إلى الحدود التي تؤدي إلى الإحباط، فمشروعات البداية هي البذرة التي سوف تتعلم منها كل الأطراف كيف تتوسع.

وكي نكون واقعيين، مزايا المشروع جوهرية، لكنها قد لا تظهر سوى بعد بعض الصبر، بينما هناك عوائق ومحاذير ما لم يتم التعامل معها بكفاءة، قد تؤدي إلى فشله.