يتضمّن معرض ديديه لونوري في غاليري «أليس مغبغب» ببيروت 150 لوحة تعرض للمرة الأولى، أنجزها الفنّان التشكيلي الفرنسي عام 2010، تقدّم فيها كلّ زهرة نفسها بنفسها؛ وحيدة، ومستقلّة، وفريدة.

يستخدم الرسام التشكيلي قشر الجوز وقلم الحبر الصيني، لرسم زهرة عاديّة، بسيطة: أربع بتلات، وساق تحتلّ واجهة فضاءات اللوحة. سواء كانت مرسومة، أو ملوّنة، أو منجَزة في حركات خطّية واسعة، تخرج هذه الأزهار عن الواقع؛ ولا تمثّل أيّ نوع من الأزهار المألوفة. فهي من مخيّلة الفنّان ووليدة ممارسته هذا الفنّ، ذلك أن كلّ زهرة تنبثق من سابقتها. يقول لونوري: «تتكاثر أزهاري، لأنّها خيالية، إلى ما لا نهاية، مختلفة في الأحوال كافة».

Ad

يتحدّى الفنّان قواعد الابتكار، ويعمد إلى تكوين انحدارات من هذا الشكل الفنّي الفريد وصولاً إلى البساطة البديهيّة. باقة من المواقف الأنثويّة هي هذه الأزهار المنتصرة، العاصية، الرشيقة أو الزاهية، الغازية، المتغطرسة أو الغاوية، المتسلّطة، التبسيطيّة أو التجريديّة، المتوعّدة، العصبيّة، المتواضعة، أو الظريفة، الخجولة، المتحفّظة، أو المعقّدة، المقوّسة، المتقوقعة على نفسها، المربّعة، أو المستديرة، الهشّة، الشاعريّة، الكئيبة، الطريفة... ديديه لونوري ينقل، بكلّ مهارة ورشاقة، مأثرة الرسم بإحساس.

«منوّعات زهريّة»

من مواليد فرنسا عام 1957. عاش ديديه لونوري في باريس والنورماندي وعمل فيهما. اكتشف أيّام المدرسة شغفه بتاريخ الرسم، فراح يحلم بالاستقلالية والحرّية المطلقة. في الثامنة عشرة من عمره، قرّر امتهان فنّ الرسم، وبدأ مسيرته المهنيّة برسم وجوه، ثمّ انتقل إلى الأشجار، حتّى وصل تدريجاً إلى الأزهار. عام 1989 أقام أوّل معرض فردي له في كلامار، في متحف ألبير شانو. في عام 2011، قدّم مجموعته «منوّعات زهريّة: نباتات الأوكسيجين» (، وذلك في معرض بارز في المركز الفنّي فيلا تاماري في منطقة سين سور مير، جمع فيه كلّ أعماله حول الأزهار.

أمّا في بيروت، فأقيم أوّل معرض له في «غاليري أليس مغبغب» (2012)؛ تبعه معرض خُصّص لرسوماته وأعمال الكولّاج (2015).

«سبع سنوات»

يتضمن معرض «سبع سنوات» للفنان الياس إيزولي في «أيام غاليري»، ﻣﺠموﻋﺔ جديدة ﻣﻦ اﻟﺮسوﻣﺎت اﻟﺘﺸﺨﻴﺼﻴﺔ‬‬ التي تمثل حالة المقيمين في سورية خلال السنوات السبع الأخيرة، تتميز بتقديم أشكال جديدة تبرز حرفيته العالية لفن الرسم وحساسيته للألوان متأثراً بمحيطه وبفضائه.

تجسد لوحات إيزولي، ذات الألوان الناعمة والهادئة التي تعتريها مسحة من الحزن، أطفالاً محنيي الظهر ينظرون مباشرةً إلى عيني الناظر أو بعيداً في الفراغ من دون إدراكهم بأن أحداً يبادلهم النظر. يبتكر هذا الأسلوب نوعاً من التدخل من الناظر في اللوحة، فتحديق الأطفال يلقى صداه لدى المتلقي محدثاً نوعاً من التفاعل بين الموضوع والمتفرج.

يتموضع الأطفال في بعض الأعمال إلى جانب ألعاب أو أشياء عادةً ما يتفاعلون معها. في إحدى الرسومات غير المعنونة (2017) من مجموعته، نجد كرةً تسبح في الفضاء بجانب فتاة صغيرة جالسة تحدق بها. جسدها يميل باتجاه الكرة ويداها على حجرها وكأنها تتوق إلى اللعب... لكنها لا تفعل بل تبقى جالسة مستسلمة في كرسيها.

يستخدم الياس إيزولي ألواناً هي بحد ذاتها فرحة، لكنها تنقل المتفرج إلى عوالم بائسة كما هي الحياة في واقع الحال. يتجسد ذلك باللون الأصفر لثوب الفتاة والكرة المتضاربين مع اللون الداكن للكرسي ولخلفية اللوحة.

تتركز أعماله الأخيرة في مكان ما بين خصوصية المتجسد واجتياح الناظر، واصفة الجو العام الذي عاشه الفنان خلال السنوات السبع الأخيرة. أما التفاصيل المعاشة فتبدو جلية وتغدو على مرأى من الجميع عبر التدقيق في خلفيات اللوحات.

رسام بالفطرة

تعلم الياس إيزولي الفن من تلقاء نفسه، وتبلور إبداعه منذ نعومة أظفاره. أولى معارضه الفردية كانت في السابعة عشرة من عمره في المركز الثقافي الروسي بدمشق.

يتحدى بفنه الرسم التشخيصي التقليدي من خلال مهارته العالية بفن الرسم وقدرته على التحكم بالألوان وقابليته للسيطرة على موضوعاته. تتوزع ألوانه بدقة في أقسام اللوحة مشكلة حجماً وبعداً مناسبين كمؤشر انفعالي لهذه الأعمال، بينما استعماله الملمس وطبقات الألوان كما التقطيع الواضح لسطح اللوحة فتساعد جميعها المتفرج في الولوج إلى الأعماق النفسية للموضوع.

ولد الياس إيزولي في دمشق عام 1976 ويقيم فيها، عرض أعماله بشكل منتظم منذ العام 1993. أما مشاركاته بمعارض فردية لدى «أيام غاليري»، فشملت بيروت ودبي في الأعوام: 2010، و2012، و2013، و2016.