تبدو مسألة محيرة أن تحصل آسيا على حق استضافة ثلاث ألعاب أولمبية متتابعة زمنياً. فقد حصلت كوريا الجنوبية على الألعاب الشتوية عام 2018، واليابان على الألعاب الصيفية عام 2020، والصين على الألعاب الشتوية عام 2022. ألا يتعين على اللجنة الأولمبية الدولية توزيع الثروة بقدر أكبر؟

الأمر ليس بهذه البساطة، لأن اختيار المدينة التي سوف تستضيف الألعاب الأولمبية يشكل لعبة معقدة بين البيئات السياسية والاقتصادية في العالم. ويرجع اختيار آسيا لاستضافة الألعاب الأولمبية الى الأزمة المالية العالمية في سنة 2008 إلى حد كبير.

Ad

بدأت عروض استضافة الألعاب لعام 2018 في صيف سنة 2009 وكان العالم يومها قد بدأ ينفض غبار أزمة اقتصادية. وفيما بدأت أسواق الأسهم بالتعافي استمرت معدلات البطالة في الولايات المتحدة بالارتفاع وقاربت الـ 10 في المئة، كما استمرت أزمة الديون السيادية في زعزعة الاستقرار في أوروبا. ولم تكن تلك البيئة الأفضل بالنسبة إلى السياسيين في دول ديمقراطية للتقدم بعروض لاستضافة مناسبة عالمية باهظة التكاليف.

تقدمت ثلاث مدن بطلبات لاستضافة أولمبياد 2018 وهي بيونغ تشانغ في كوريا الجنوبية وميونيخ في ألمانيا وآنسي في فرنسا. وكان ذلك أقل من السبع مدن التي تقدمت لاستضافة الأولمبياد في سنة 2014.

وصدر العرضان الأوروبيان من قلب القارة، وليس من محيطها، الذي كان يعاني نتيجة العديد من الديون السيادية في 2010 و2011 في وقت تقديم العروض. وفي نهاية المطاف تم اختيار بيونغ تشانغ لاستضافة الأولمبياد.

فترة التقشف

وكما حدثت عملية اختيار سنة 2018 بعد أزمة اقتصادية حادة بدأت عملية اختيار موقع سنة 2020 خلال فترة التقشف التي أعقبت ذلك. وفيما تقدمت نيويورك بعرض لاستضافة الألعاب الصيفية في سنة 2012 وحاول الرئيس الأميركي باراك أوباما مساعدة شيكاغو على استضافة الألعاب الصيفية في 2016 اختارت الولايات المتحدة عدم التقدم لاستضافة ألعاب 2020.

وكانت روما تنوي التقدم بطلب استضافة أولمبياد 2020 لكنها قررت، وربما لأسباب تتعلق بأزمة الديون السيادية المستمرة، سحب طلبها في الدقيقة الأخيرة نتيجة الافتقار إلى الدعم الحكومي.

واقتصرت القائمة النهائية على طوكيو ومدريد وإسطنبول. وربما بسبب استمرار المشاكل الاقتصادية في إسبانيا وعدم الاستقرار السياسي في تركيا شكلت طوكيو الخيار الأكثر أمناً.

ثم هناك أيضاً الألعاب ألأولمبية في سنة 2022 التي لا يريدها أحد. وقد بدأت عملية تقديم العروض عام 2013 وفي وقت استقر الاقتصاد فيه لكنه لم يظهر على شكل توسع قوي في الكثير من الدول. وكان على الحكومات الخروج من دائرة التقشف. وبحلول أواخر عام 2014 بقي عرضان فقط لاستضافة الألعاب في 2022 – ألماته في كازاخستان وبكين في الصين. وعندما يكون الاختيار بين الصين أو دولة اقتصادها أصغر من اقتصاد العراق أو الجزائر فسوف يقع الاختيار على بكين.

الأخبار الجيدة

تمثلت الأنباء الجيدة في أن البيئات الاقتصادية والسياسية قد تعافت بما يكفي لدفع الدول الغربية إلى الاهتمام من جديد باستضافة الألعاب الأولمبية.

وإذا كانت عملية اختيار الموقع قبل الأزمة المالية زاخرة بالفساد وبمدن مكلفة ضعيفة القيمة علينا التفكير في ألعاب سنة 2014 الشتوية في سوتشي والألعاب الصيفية في 2016 في الريو – وربما تمثل هذه الفترة الجديدة بيئة أكثر حكمة لاختيار موقع للألعاب الأولمبية في دول ذات أجواء استقرار سياسي وتكون ثرية بما يكفي لتحمل المسؤولية.

وباريس، التي اختيرت لاستضافة الألعاب الصيفية في سنة 2024 ولوس أنجلس لاستضافة الألعاب الصيفية عام 2028 هما مدينتان عالميتان سبق أن استضافتا الأولمبياد. وفيما لا يزال من المبكر الشروع في عملية العرض للألعاب الشتوية في 2026 علينا أن نتوقع أن تسود العقلانية هناك أيضاً.

ويوفر تطور عملية اختيار موقع الأولمبياد خلال الجيل الماضي بارقة أمل بالنسبة إلى أولئك الذين يسعون إلى حوكمة أفضل تفوق استضافة مناسبات رياضية عالمية.

ولفترة طويلة، كان اختيار موقع لاستضافة الأولمبياد يفضي إلى جعل المدن مثقلة بالديون والأعباء. وليس من المستغرب أن تتردد المدن في تحمل أعباء استضافة مثل تلك المناسبات. وربما تطلب الأمر استمرار الأزمات والفساد الحاد من أجل تغيير تلك الثقافة. وإذا استطاعت لجنة أولمبية دولية تحقيق ألعاب متتالية من دون تكرار أخطاء، فإنها سوف تقطع شوطاً طويلاً نحو استعادة الثقة، وإذا نجح ذلك في ميدان الأولمبياد فقد يوجد أمل في أن ينسحب على الأشغال العامة والبرامج الاجتماعية أيضاً.