في الحادثة الأخيرة التي هزت مشاعر الجميع بوفاة الطالب عيسى البلوشي... والقضايا المراد رفعها على تلك المعلمة من قبل وزارة التربية وأهل الطفل البريء، أود أن أدلو برأيي فيها، فأقول إن هذه المعلمة ليست الوحيدة المدانة والمذنبة، بل يقع الخطأ على الوزارة، وأيضا على المجتمع غير المتحضر.

أوضح ذلك، فالمجتمع لا يزال لا يحترم رغبة تلك المرأة التي ربما لا تكون أهلاً لمثل هذه المهنة العظيمة، وغير راغبة في سلك التعليم، فيرغمها على ارتياد هذه المهنة من باب الستر، وبداعي أنه لا يوجد فيها اختلاط، وأيضاً فإن مرتبها يعتبر لا بأس به، وكذلك فقد تكون اختارتها للإجازات المتاحة فيها، فكل هذه الأفكار من قبل المجتمع غير المتحضر والتي لا تعي أهمية أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب، أدت إلى مثل تلك الحادثة.

Ad

ونأتي إلى الوزارة، وعليها المسؤولية الكبرى، بعدم التخطيط وعدم الوعي، ومازالت تلك المآسي ولا تزال وستزال طالما لا أنها لا تغير أي شيء في مخططاتها ومناهجها وهياكلها الإدارية والعقليات المسيطرة عليها، والتي تكاد تكون متهالكة الفكر أو بالأصح خالية من أي فكر إلا من رحم ربي، نظم بالية لا يوجد فيها أي تطور، مجرد تغيير وجوه وتدوير مناصب.

وحتى لا أكون سلبية جداً سأقترح بعض الحلول التي ربما تجدي نفعاً كي لا تقع مثل تلك الأزمات، فأولاً: على كل من يتقدم إلى كلية التربية أن يعقد له اختبار في مدى الرغبة الجامحة لامتطاء صهوة التعليم بحب وشغف ودخول هذا السلك الوظيفي، بحيث لا يكون مرغما من أهل أو مجبراً على مثل تلك الوظيفة، وفي العادة يكون الشباب راغبين، بينما تجبر الإناث – باستثناء البعض منهن- لذلك يجب وضع هذا الاختبار، وفي حال اجتيازه، ننتقل إلى المرحلة الثانية بعلاج أي مشكلات نفسية تلقاها هذا الإنسان طوال حياته وإعادة توازنه إلى مستوى مناسب يمكنه من التعامل مع مختلف الأوضاع في المجتمع الذي سيواجهه (يمكن الاستعانة بمدربي التنمية الذاتية). أما المرحلة الثالثة فتتمثل في التدريب المتقن على كيفية التعامل مع نفسيات الطلبة القادمين من بيئات مختلفة، ليتم تأهيل المعلم من خلال وضع مقررات تقوم على ذلك وتكون مادة عملية (غير مادة التربية العملية) بحيث تصقل مهاراته في تخطي أي مواجهات تحدث له في الفصل الحقيقي، وطبعاً إذا كانت هذه المهنة هي رغبته الأولى فسيتجاوز هذه العقبات.

أخيراً يجب أن يكون المتقدم مؤهلاً لمادة التربية العملية، بكل جوانبها ليس فقط من الجانب العلمي فقط بل أيضا النفسي، بحيث يتخرج برخصة "معلم مبتدئ"، وبعد مرور سنة يلقن مهارات وتجارب أخرى يتم تطويره وتأهيله ويعطى بعدها رخصة "معلم ممارس" وهكذا، وبعد مرورخمس سنوات تتم معالجة مشاكل العمل وتجدد له الرخصة إذا كان لا يزال يرى أنه مؤهل ويعطى رخصة "معلم ممتهن" او "محترف"، أو أي تسمية أخرى، تشجع على مواصلة الطريق ولا يترك هملاً... فكل ما يهتم به معظم المعلمين الآن هو كراسة التحضير ! بذلك نصنع مجتمعاً واحداً مخلصاً صادقاً أميناً ونرتقي بالعملية التربوية التي تقوم على بناء المعلم الواعي والنقي، فإذا صلح المعلم صلح الطالب واستبشر المجتمع خيرا.