بعد هزيمة يونيو 1967 بأشهر قليلة، حرّض الإسرائيليون، أهالي سيناء على الاستقلال بها، لنزع سيناء من مصر، وسعياً وراء هذا الهدف التقى وقتئذٍ موشيه دايان وزير الدفاع في إسرائيل، عدداً من مشايخ سيناء لإقناعهم بالفكرة.

كانت السلطات المصرية قد علمت بتفاصيل المخطط الإسرائيلي، فقامت بتكليف الضابط السيناوي محمد اليماني بمتابعة القضية، حيث طلب من المشايخ بتعليمات من القاهرة مواصلة خداع إسرائيل ومجاراتها في طلبها، كانت الرسائل القادمة من إسرائيل، وتحديدا من غولدا مائير هي إما انضمام سيناء إلى الدولة العبرية، أو إعلانها دولة مستقلة، وبمباركة أميركية.

Ad

اجتمع ديان بالشيخ سالم الهرش وبعدد من كبار المشايخ، وأعلنوا موافقتهم على المقترح مبدئيا، بالتنسيق السري مع الأجهزة الأمنية المصرية، وطالبوا بمهلة للحصول على إجماع شيوخ القبائل في سيناء.

في 31 أكتوبر عام 1968 أعدت إسرائيل عدتها لإعلان سيناء دولة منفصلة. يروي محمود سعيد لطفي ابن المحامي الشهير سعيد لطفي أحد مهندسي العملية أن الطائرات الإسرائيلية كانت تنقل الطعام ومصوري وكالات الأنباء وعشرات القنوات العالمية، كما توافد كبار القيادات في إسرائيل جواً إلى مكان التجمع، بمنطقة "الحسنة"، من أجل اللحظة الحاسمة.

تم تفويض الشيخ الهرش من قبيلة "البياضية" للحديث عنهم أمام الإسرائيليين فقال "إن سيناء مصرية، وقطعة من مصر، ولا نرضى بديلاً عن مصر، وما أنتم إلا دولة احتلال".

صفع أهل سيناء قادة الاحتلال بقوة، وتسببوا في فضيحة دولية لإسرائيل، فعل أهل سيناء ذلك بالترتيب مع القاهرة وتنسيق مباشر مع الرئيس جمال عبدالناصر، فوجئت مائير وديان بما حدث أمام العالم، وكانت النتيجة أن اعتقلوا 120 من مشايخ وشباب سيناء، وعلى رأسهم الشيخان بن خلف وسالم الهرش والمحامي سعيد عثمان.

لا ينسى أهل سيناء من أطلقوا عليهم "الأشباح"، أغلبهم كان ينتمي إلى منظمة سيناء العربية التي ضمت الفدائيين في سيناء ومدن القناة، استعانت المخابرات المصرية بنحو 1100 بطل منهم بعد حرب يونيو، وقامت بتدريبهم على استخدام الألغام والمتفجرات والقنابل، وكذلك أعمال الرصد والتجسس، وتنفيذ العمليات الهجومية ضد القوات الإسرائيلية.

حصل المئات منهم على أنواط الامتياز من الرئيسين جمال عبدالناصر وأنور السادات، ومنهم من عبر قناة السويس في اتجاه العدو أكثر من 150 مرة، ومنهم من توغل في عمق إسرائيل، ومنهم من اختبأ في الجبال لسنوات يأكل أوراق الشجر ويدمر دبابات العدو، ومنهم من نقل الصواريخ والألغام وأجهزة اللاسلكي إلى عمق سيناء ماراً بالوحدات العسكرية الإسرائيلية، ومنهم من تعرض للأسر والتعذيب في السجون الإسرائيلية سنواتٍ طويلة، ورغم ذلك زاد ارتباطهم بمصريتهم.

يتذكر المصريون الفدائيين من أهل سيناء، ومنهم حسن السطاحي الذي بدأ عمله الفدائي وهو في التاسعة عشرة من عمره، وكان ذلك في عام 1969 وشارك في تنفيذ أكثر من 100 عملية فدائية.

كذلك الفدائي موسى الرويشد، الذي اعتبره البعض تنظيماً سرياً مستقلاً، حيث قام وحده بالاستطلاع خلف خطوط العدو، ونسف أكثر من 30 مخزناً إسرائيلياً للذخيرة والمعدات أثناء حرب أكتوبر وفقد إحدي عينيه وتهشم قفصه الصدري بعد تعذيبه فترة طويلة في السجون الإسرائيلية.

من بين الأسماء التي حُفِرت في تاريخ سيناء عبدالله جهامة الذي رأس جمعية مجاهدي سيناء (767 عضواً حالياً) وكان له دور بطولي خلال حرب الاستنزاف، حيث اشتهر بقدرته الفائقة على خداع الإسرائيليين، وقام بتدمير أعداد كبيرة من الدبابات والمعدات الإسرائيلية، حيث جن جنون إسرائيل التي قامت بتحديد شخصيته وحاصرته عدة سنوات في جبل الحلال، حيث كان يقيم في إحدي مغارات الجبل وكان طوال هذه الفترة يأكل أعشاب الصحراء وأوراق الشجر ويدمر الأهداف الإسرائيلية إلى أن تمكن من الهرب.

ولَم تكن نساء سيناء أقل حضوراً في المشهد فقد قمن بالعشرات من العمليات القتالية المذهلة وباحتراف وحفظن سرهن حتى إن أولادهن لم يعرفن شيئاً عن أدوارهن البطولية، إلا بعد أن كرمهن الرئيس السادات بعد نصر أكتوبر، ومنهن فرحانة حسين سلامة، وفوزية محمد أحمد الهشة، والعشرات غيرهن.

اليوم يقف أهل سيناء مرة أخرى بجانب جيشهم في الحرب على الإرهاب، يقفون موقفاً بطولياً جديداً ينبغي أن يضاف إلى حكايات بطولاتهم التي لا تنتهي.