بعد ست سنوات على مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي تدر أموال نظامه المجمدة في بروكسل عشرات الملايين من الدولارات إلى مستفيدين مجهولين على الرغم من العقوبات الدولية المفروضة عليه، وأظهرت تحقيقات بوليتيكو في أصول القذافي البالغة 16 مليار يورو في بلجيكا تدفقات كبيرة ونظامية من أرباح الأسهم والسندات والفوائد. وفي حين تقضي الإجراءات بالاحتفاظ بثروة القذافي للشعب الليبي إلى أن تستقر الأوضاع السياسية الداخلية في ذلك البلد الذي مزقته الحرب، فقد تدفقت دفعات مالية من حسابات مجمدة في بروكسل إلى حسابات مصرفية في لوكسمبورغ.

وتقول وزارة المالية البلجيكية إن مثل تلك الدفعات قانونية، ويتم إيداع الفوائد في حسابات تعود إلى هيئة الاستثمار الليبية وهي صندوق سيادي ليبي تأسس في سنة 2006 من أجل استثمار ثروة القذافي النفطية، وتكمن هذه الهيئة في صلب الحرب بين أطراف متنافسة في ليبيا ومن غير المعروف من يدير تلك الهيئة، وما إذا كان يحصل على أي مبالغ يتم تحويلها إليها. وتوجه أموال تلك الهيئة الى أربعة بنوك على الأقل تدير حساباتها مؤسسة «يوروكلير» المالية التي تتخذ من بروكسل مقراً لها. وبعد تدخل حلف شمال الأطلسي الذي أطاح القذافي وأفضى الى قتله في سنة 2011 تحولت ليبيا الى منطقة صراع بين جماعات متنافسة في بيئة لا تزال تسيطر عليها مجموعات إسلامية وفي أوضاع من عدم الاستقرار.

Ad

وتنعكس تلك الخلافات والانقسامات في معارك تهدف الى السيطرة على هيئة الاستثمار الليبية، وتدعي مجموعتان تمثيل الحكومة الرسمية: الأولى مؤيدة من الأمم المتحدة وتقيم في طرابلس والثانية في ميناء طبرق في شرق البلاد وتتمتع بتأييد الجيش الليبي، وعمدت المجموعتان الى تعيين رئيس مستقل لهيئة الاستثمار الليبية، كما أن ما زاد الأمور تعقيداً كان وجود رئيسين في طرابلس يزعم كل واحد منهما الحصول على الشرعية.

الاتصالات العقيمة

وقد اتصلت بوليتيكو بمحامين عن هيئة الاستثمار الليبية ومستشاريها ورئيسها السابق وبشخصيات تزعم رئاستها في الوقت الراهن، ولم يتمكن أي واحد منهم من تحديد طريقة تفضي الى الوصول الى ملايين الدولارات التي يتم تحويلها على شكل فوائد من بروكسل، وكانت العقوبات الدولية استهدفت أصول نظام القذافي– بما في ذلك نحو 67 مليار دولار من أصول هيئة الاستثمار الليبية– يتم استثمارها في بنوك وصناديق في أوروبا والولايات المتحدة.

من جهة أخرى فرضت حزمة من الإجراءات صدرت في شهر فبراير حظراً على السلاح إلى ليبيا وعلى سفر شخصيات بارزة من النظام فيها، وفي أوروبا تتحمل الحكومات الوطنية مسؤولية تطبيق تلك الإجراءات، وقد عقدت حكومات الاتحاد الأوروبي اجتماعاً في شهر أكتوبر من عام 2011 أكدت فيه أن تلك العقوبات تنسحب فقط على الأصول الأصلية المجمدة، لا على الفوائد التي تحققت بعد شهر سبتمبر 2011.

الدائنون في أوروبا– بمن فيهم الأمير البلجيكي لوران وهو شقيق الملك– وشركة ألبان إيطالية حاولوا استعادة أموال قالوا إنها مستحقة لهم عبر صناديق هيئة الاستثمار الليبية التي تحولت في عهد القذافي الى لاعب دولي مؤثر وعمدت الى شراء أصول في عدد من الشركات الاستراتيجية وخصوصا في ايطاليا وبريطانيا بما في ذلك شركة سيارات فيات ونادي كرة القدم يوفنتوس، ورويال بنك أوف سكوتلاند وبيرسون الذي كان ناشر صحيفة فايننشال تايمز في ذلك الوقت.

وبحسب بيانات يوروكلير التي تعود إلى سنة 2013 ارتفعت قيمة الأموال المجمدة التي تم استثمارها في الأسهم قبل سنة 2011 إلى 14 مليار يورو، وقد اشتملت تلك الأسهم على موجودات في شركات إيطالية ضخمة مثل «إيني» النفطية العملاقة، وبنك يوني كريدي وشركة فينميكانيكا الهندسية، كما تم الاحتفاظ بملياري يورو في أحد الحسابات الجارية، بحسب بيانات تعود الى 29 نوفمبر 2013.

موقف الاتحاد الأوروبي

وليس من الواضح ما إذا كانت دول أخرى في الاتحاد الأوروبي تسمح بتدفق الفوائد الى الخارج كما تفعل بلجيكا، لكنّ مسؤولين على صلة بهيئة الاستثمار الليبية يقولون إن الفوائد العائدة الى الهيئة حول العالم كانت كبيرة ومتكررة، كما أكد محسن ديريجيا الذي شغل منصب المدير التنفيذي لهيئة الاستثمار الليبية لسنة في 2012 تدفق الفوائد من أصول القذافي المجمدة خلال فترة عمله، وأضاف أنه لا يعلم المبالغ التي تم تحويلها من بلجيكا فقط، وقد تم تسريحه من عمله من قبل حكومة رئيس الوزراء علي زيدان في طرابلس في ربيع عام 2013. كما أن عبدالمجيد بريش الذي عمل رئيساً لهيئة الاستثمار الليبية من منتصف سنة 2013 الى شهر يونيو 2017 قال إن دفعات الفوائد قانونية.

ومن الواضح الآن أن فوائد مليارات هيئة الاستثمار الليبية تذهب الى جهة ما غير معروفة، لكن أحد مسؤولي يوروكلير إضافة إلى وزارة المالية البلجيكية قالا إن تلك الفوائد ترسل الى حساب في بنك «إتش إس بي سي» في لوكسمبورغ يخص هيئة الاستثمار الليبية والعديد من حساباتها الأخرى في المؤسسة المصرفية العربية في إحدى الدول الخليجية، والتي يعتبر البنك المركزي الليبي المساهم الرئيس فيها.

من جهة أخرى أبلغ فيليب كلوتنس، وهو مسؤول لدى يوروكلير، الحكومة البلجيكية أن الفوائد والأرباح التي تبلغ 28 مليون يورو وتغطي الفترة ما بين سبتمبر 2011 وأكتوبر 2013 قد تم تحويلها الى حسابات لدى بنك «إتش إس بي سي» وأن هذه العملية ستستمر، كما أن كميات أخرى تم تحويلها الى حسابات في الدولة الخليجية، ولكن من دون إعطاء أرقام محددة.

وقد دعا جورج غيكينت وهو مشرع وعضو في لجنة الميزانية البرلمانية البلجيكية وزير المالية البلجيكي الى توضيح ملابسات دفعات الفوائد في جلسة للبرلمان في سنة 2017، وبرر وزير المالية تلك الدفعات بالقول إنها كانت تتم وفقاً لقوانين العقوبات الدولية، ومن جهته أكد مسؤول الخزانة في وزارة المالية البلجيكية ألكسندر دي غيست دفع تلك الفوائد من أصول ليبيا المجمدة.

من جهة أخرى رفض عبدالمجيد بريش الذي يمثل هيئة الاستثمار الليبية في الدعاوى ضد غولدمان ساكس& سوسيتي جنرال رفض «توفير مؤشرات على أمور تخص هيئة الاستثمار الليبية وأنشطتها التشغيلية»، ويذكر أن الهيئة خسرت دعوى ضد غولدمان ساكس في سنة 2016 قالت فيها إنها تعرضت الى تضليل من قبل أحد البنوك الأميركية، ولكنها حققت درجة أكبر من النجاح في شهر مايو 2017 عندما ربحت تسوية مع سوسيتي جنرال بقيمة 963 مليون يورو وتعلقت بطريقة تعامل بنك فرنسي مع خمس عمليات في الفترة بين 2007 و2009.

وقد رشحت الإدارة في طبرق علي شامخ لشغل منصب الرئيس التنفيذي لهيئة الاستثمار الليبية.

هيئة الاستثمارات الليبية... غموض وقضايا

رغم أهمية هيئة الاستثمار الليبية على المسرح الدولي، فإن من الصعب تحديد الجهة التي تستطيع الوصول الى حساباتها المتعددة.

وفي السنوات القليلة الماضية دخلت الهيئة في معارك قضائية مع بنك غولدمان ساكس& سوسيتي جنرال حول استثمارات تعود الى عهد القذافي، ورفض محامون يتخذون من لندن مقراً لهم، ويعملون لمصلحة هيئة الاستثمار الليبية، الرد على أسئلة «بوليتيكو» في هذا الشأن، وتحديد الجهة التي تدفع لهم أتعاب المحاماة.

* غيليا بارافيشيني – «بوليتيكو»