في مؤتمر صحافي عُقد في جامعة فرجينيا (University of Virginia) في 20 مايو 1957، للروائي الأميركي وليم فوكنر (1962-1897)، الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1949، قال ما معناه: "في وقت ما اعتقدت أن أهم الأمور للكتابة هي الموهبة، لكني أعتقد الآن أن على الكاتب الشاب أن يعلِّم نفسه ويدرِّبها بصبر غير محدود، وبمحاولات لا تنتهي إلى أن يصبح كاتباً. الشيء الأهم هو البصيرة. ومتى ما توفر الكاتب على الفضول والبحث والتأمل، في حينه، لا أعتقد أن الموهبة ستشكل فارقا، سواء تمتع بها أو لم يتمتع" (1). فيما يقول كاتب الخيال العلمي الأميركي ستيفن كينغ (1947- ): "الموهبة أرخص من ملح الطعام. ما يفرِّق الموهوب عن الناجح هو الكثير من العمل الشاق". (2)

أشرت أعلاه إلى ما قاله الروائي وليم فوكنر، وما أيَّده به الكاتب ستيفن كينغ، بمناسبة ما كتبته صباح السبت الماضي، على حسابي بـ"تويتر": "لا يمكن لشخص لم يتعلم العزف على البيانو أن يعزف قطعة موسيقية، ولا لمن لم يتعلم قيادة السيارة أن يكون سائقاً بعربته في الطريق العام. والأمر ذاته ينطبق على الكتابة الإبداعية، فهي موهبة وعلم ومهارة وقراءات وخبرة وصقل، لذا ليس بقدرة أي شخص أن يكتب رواية مبدعة". فقد تلقيت الكثير من الردود على هذه التغريدة، وأهم ما يستوجب الوقوف عنده، هو رأي البعض، بأن الموهبة وحدها هي التي تصنع الكاتب، وأنها العنصر الأهم الواجب توافره في أي شخص كي يستطيع أن يبدع نصاً، سواء كان ذلك رواية، أو قصة قصيرة.

Ad

وأنا إذ أرحب وأحترم كل الآراء الكريمة التي ردَّت عليَّ، فإنني أقول رأيي في قناعتي، بأن مناهج مادة "الكتابة الإبداعية" في المعاهد والجامعات الأميركية والأوروبية واليابان، وربما الصين، هذه المناهج باتت تُدرّس مادة "الكتابة الإبداعية" بوصفها مادة علمية، مادة تقدم للطالب الموهوب العناصر الرئيسية والضرورية والخطوات المهمة للكتابة الإبداعية، وان الموهبة وحدها عاجزة على أن تحمل فتاة أو شابا لكتابة عمل إبداعي ناجح، وإذا ما حصل وحدث ذلك في مرة، فهذا ليس بالقاعدة.

القراءة قد تكون معلما وقلما للكتابة، فعن طريق القراءات الأدبية والفلسفية الجادة والمعمقة والمستمرة، قراءة الأعمال الإبداعية العربية والعالمية، التي يدخل إليها الكاتب الشاب بوصفها درساً يتعلم منه، هذه القراءات بتراكماتها الفكرية والإبداعية والفنية، وبمجهود الكاتب وإرادته قد تساعده في تبين كيفية الكتابة. وكثير من الكُتاب العرب ولج إلى عالم الكتابة عن طريق مراكمة القراءات والجهد والمثابرة. لكن، لكل عصر ورقة نقده التي يتداولها الناس، ومؤكد أن عصر الإنترنت ومحركات البحث، وعصر شبكات التواصل الاجتماعية، وما يُكتب عليها من جُمل مجانية، وعصر دور النشر التجارية، التي يقوم كيانها على الأخذ من الكاتب كي تنشر كتابه، وعصر جوائز الرواية على طول وعرض العالم، هذا العصر مع سهولة النشر، وبقدر ما ساعد البعض، فإنه وضع الكتابة الإبداعية في مأزق، حيث كثرة النشر، وخاصة في مجال الرواية، وصعوبة الوصول إلى كتابة مبدعة، وسط تلال من الكتابات البائسة.

لهذا كله، ولكي أكون منسجماً مع قناعاتي، ومع ما توافرت عليه تجربتي الشخصية الأدبية والعلمية، أقول بصدق وتجرُّد إنه ليس بمقدور الكل أن يكتب رواية، ربما بمقدوره أن ينشر ما يشاء، لكن أن يكتب رواية مبدعة تبقى في وجه الزمن، فهذا شأن آخر، ودرس آخر، وعلم آخر. ومعرفة أخرى تنطوي على فهم مغزى "وظيفة الأدب الاجتماعية"، وعلى قدرٍ عالٍ من احترام النفس، واحترام ذائقة القارئ، واحترام حاضر المجتمع ومستقبله.

(1) https://www.csmonitor.com/Books/2014/0925/William-Faulkner-10-quotes-for-his-birthday/Talent

(2) https://www.brainyquote.com/quotes/stephen_king_163656