منذ ما قبل ثورة مُصدّق في أوائل خمسينيات القرن الماضي، كان الشعب الإيراني قد اعتاد الحياة الليبرالية، وكانت فيه الأحزاب المتعددة الاتجاهات، ولكن بعد أن أُخمدت الثورة وعاد الشاه للحكم، بعد فراره متخفياً في ملابس نساء، بمساعدة المخابرات الأميركية، أصبح الحكم في إيران يسوس البلاد بقبضة حديدية، وصار الشاه واحداً من أشد الطغاة في ممارساته للحكم في إيران، لكن ذلك لم يحُل دون قيام أحزاب، وفق مواصفات تتوافق مع الإمبراطورية الشاهنشاهية، التي كانت تحت هيمنة طبقة الإقطاع والرأسماليين والأرستقراط، بل حتى المؤسسة الدينية كان لها من يمثلها ضمن التوجهات التي تتوافق مع سياسة الشاه!

***

Ad

• فكان من الطبيعي إزاء ذلك أن تتشكل حركات وتنظيمات سياسية مناوئة لحكم الشاه، بعضها في العلن في حدود المسموح به، والكثير منها كان يعمل في الخفاء، فكانت هناك أحزاب ليبرالية وعلمانية وقومية وحزب تودا اليساري، إلى جانب تحرك علماء الدين في مدينة قُم، وكان الدكتور علي شريعتي يلقي محاضراته المحرضة ضد النظام، فلوحق وفرّ إلى لندن، وقيل إن المخابرات الإيرانية قد دست له السم فمات في بريطانيا، إلا أن أفكاره كان لها تأثير كبير على الشارع الإيراني، وتعتبر حركة مجاهدي خلق امتداداً لأفكاره!

***

• ما أريد الوصول إليه: أن المعارضة الإيرانية كانت منتشرة في الداخل والخارج، وحركة الطلاب الإيرانيين في العالم كانت لها ديناميكية فاعلة على نظام الشاه في الداخل، رغم بطش السافاك الدموي.

• وفي عام 1964 أعطت المؤسسة الدينية للخميني مرتبة آية الله، كي لا يقع تحت طائلة القانون، فنُفي الى تركيا لفترة، ثم استقر في النجف، وكان يناوئ نظام الشاه بتسجيل أشرطةٍ يحرض فيها الشعب الإيراني ضد حكم الشاه، وعلى أثر ذلك اجتمعت معظم فصائل المعارضة الإيرانية في الخارج لتشكل منظومة موحدة تواجه بها نظام الشاه، واختاروا لها الخميني بحكم موقعه الديني وسنّه؛ ليكون رمزاً لقوى المعارضة، وتم الاتفاق على ذلك في الأشهر التي أمضاها في فرنسا. ولما حطت طائرة الخميني في طهران كانت تحمل معه أغلب المعارضين من التيارات السياسية المختلفة، لكن الصلاحيات التي استولت عليها المؤسسة الدينية، بقيادة الخميني، قامت بمواجهات شديدة العنف، مع كافة أحزاب المعارضة التي كانت حليفة لها، مما جعل أول رئيس للجمهورية، بني صدر -وهو ليبرالي- يفر إلى فرنسا، بعد أن شهد المحاكم تُلفّق تهم تكفير معظم أقطاب المعارضة، وتُصدر بحقهم أحكاماً مجحفة، كما حدث لقطب زاده!

• وأصبحت اليد الطولى للملالي، الذين استثمروا الحرب التي شنها صدام بجعل الشعب الإيراني يتوحد لمواجهة العدو، وهذا الذي أطال في عمر حكم الملالي، فلولا رعونة صدام وحماقاته لثار الشعب الإيراني على ممارسات المؤسسة الدينية، ولكان الوضع في إيران يختلف عما هو عليه الآن تماماً!

***

• وما حدث أخيراً من تظاهرات واحتجاجات لن يكون نهاية المطاف، بعد أن تم قمعها، فطبيعة الإيرانيين منذ القدم الانفتاح على الحياة، ومن الصعب عليهم الاستسلام لحكم أحادي التوجه!