في كتابه «عالمٌ في حَيْصَ بَيْص» يشرح الكاتب الأميركي ريتشارد هاس كيف أن كلُ الأشياءِ تتفكك متهاويةً، إذ يعجز المركزُ عن الإمساك بها. القواعد والسياسات والمؤسسات التي كانت المرشدَ والهادي للعالم كله منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، استنفدت أغراضَها إلى حدٍ بعيد. لم يعد مبدأُ احترام السيادة قادراً بمفرده على حفظ النظام في عالمٍ يواجه تحدياتٍ معولمةً، من الإرهاب وانتشار الأسلحة النووية إلى التغيرات المناخية والفضاء السيبراني.

في الوقت نفسِه، عاد الصراع بين القوى العظمى ليطل برأسه من جديد. والدول الضعيفة تثير من المشاكل ما لا يقل خطورةً عما تثيره الدول القوية. وبينما حافظت الولايات المتحدة على وضعها كأقوى دولة في العالم، زادت السياسةُ الخارجيةُ الأميركيةُ الأوضاع سوءاً في حالات كثيرة، بما فعلته أحياناً، وبما فشِلت في القيام به أحياناً أخرى. فالشرق الأوسط في حالة فوضى، وآسيا يهددها صعودُ الصين وتهوُّر كوريا الشمالية، وأوروبا، التي كانت لعقودٍ طويلةٍ أكثرَ أجزاء العالم استقراراً، لم تعُد كذلك. لقد أوضح تصويتُ البريطانيين الصادم لصالح «البريكسِت» أن كثيراً من مواطني الديمقراطيات المعاصرة يرفضون مكوناتٍ رئيسيةً للعولمة، بما في ذلك الحدود المفتوحة أمام التجارة والهجرة.

Ad

«النظام العالمي - الإصْدار الثاني»

في هذا الكتاب «عالمٌ في حَيْصَ بَيْص»، يطرح ريتشارد هاس نظامَ تشغيلٍ عالمياً مُحَدَّثاً، ولنسمِّه «النظام العالمي - الإصْدار الثاني»، وهو نظامٌ يعكس حقيقةَ أن القوة تزداد توزُعاً وانتشاراً، بينما يتناقص احترام الحدود بين الدول. يتمثلُ أبرزُ عناصرِ هذا النظام المُعدَّل في اعتماد مقاربةٍ جديدةٍ لمبدأ السيادة، تُبرز مسؤولياتِها والتزاماتِها بقدر ما تحفظ لها حقوقَها وتحميها.

كذلك يُفَصِّل هاس النهج الذي يجب على الولايات المتحدة أن تعتمده في مواجهة الصين وروسيا، وفي آسيا والشرق الأوسط. كذلك يطرح تصوراتِه الخاصةَ لما يجب على الولايات المتحدة أن تفعله في مواجهة سياساتِها العاجزة، وديونِها المتزايدة، وافتقاد التوافق الوطني حول طبيعة علاقاتها بدول العالم. وقد أكد هاس بجلاء أن العالم لا يمكن أن ينعم بالرخاء والاستقرار في غيبة الولايات المتحدة، وأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون قوةَ رخاءٍ واستقرارٍ للعالم، إلا إذا توصل قادتها السياسيون ومواطنوها إلى تفاهم مشترك.

جاءت الترجمة العربية التي صدرت أخيراً عن دار «الكتاب العربي» ببيروت، متميزة إلى حد كبير. فقد حرص إسماعيل بهاء الدين سليمان، على تعريب الكتاب لا ترجمته، وهو مكتوب بلغة عربية متميزة لا يمكن أن نستشف منها أننا نقرأ عملاً منقولاً عن لغة أجنبية، ويكفي أن نضرب مثلاً بالعنوان «عالم في حيص بيص» الذي لا يمكن أن يكون ترجمة حرفية للعنوان الأصلي وهوA World in Disarray، بل هو عنوان يلخص حالة العالم، ويوجز الكتاب، في جملة واحدة. من ناحية أخرى صبغ الـمُعرِّب د. إسماعيل بهاء الدين سليمان الطبعة العربية بطابعه الشخصي كباحث أكاديمي وأستاذ جامعي، فجاءت زاخرة بأكثر من 120 تعليقاً، يشرح بعضها ما أوجزه المؤلف، ويفسر بعضها ما يحتاج إلى تفسير، ويرد البعض الآخر على ما يحتاج إلى ردٍ وتعليق، لا سيما في ما يتناول العالم العربي.

ريتشارد هاس

يشغل ريتشارد هاس راهناً منصب رئيس مجلس العلاقات الخارجية، وهو منظمة أميركية غير حزبية. وكان هاس عمل كبيراً لمستشاري الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب لشؤون الشرق الأوسط، ومديراً لإدارة التخطيط السياسي تحت قيادة وزير الخارجية الأسبق كولِن باول. وقد حصل هاس على ميدالية الشرف الرئاسية، وجائزة الشرف المتميزة لوزارة الخارجية، وجائزة السلام الدولية التي تمنحها مدينة تيبيِراري الأيرلندية. لريتشارد هاس 12 كتاباً في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية. وهو يعيش في مدينة نيويورك.

الكتابة والترجمة

إسماعيل بهاء الدين سليمان إعلامي وكاتب مصري، عمل مذيعاً ومحرراً ومخرجاً بالإذاعة المصرية، وفي منتصف التسعينيات انتقل إلى الولايات المتحدة حيث عمل مراسلاً لعدد من الشبكات الإذاعية والتلفزيونية العربية. التحق بعد ذلك بإذاعة الأمم المتحدة/القسم العربي، التي تبث إرسالها من نيويورك، وتولى رئاسته فترة، قبل أن ترسله المنظمة الدولية إلى لبنان في مهمة إلى لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري. تقاعد مبكراً ليتفرغ للكتابة والترجمة، بالإضافة إلى التدريس في عدد من كليات الإعلام في الجامعات المصرية.