عنونت معرضك الأخير «أحلام الحرية». هل للحرية أحلام؟

Ad

لاحظت أن البعض تعامل مع العنوان باعتباره يشير إلى مدلول سياسي. «أحلام الحرية» مشوار استكمل به معرضي السابق «طريق العودة». إذاً، هو خارج نطاق السياسة، حيث أتحدث في أمور تخص الإنسان وأحلامه على الأرض من بداية الخليقة حتى الآن. تكمن الفكرة كلها في تحرره من القيود التي تحرمه الحرية الكاملة ككتلة مربوطة بالجاذبية، فالأحلام موجودة لدينا جميعاً، منذ خُلق الإنسان وحمل تجارب كثيرة على التحليق، فشعر بحريته وبأنه يتخلص من كتلته وارتباطها بالجاذبية الأرضية. وبعد دراسات ومحاولات كثيرة حقق حلمه، واستطاع أن يطير ويغزو الفضاء.

من ثم، الأحلام لا تنتهي، بل هي متعددة. يشغلني التعبير عن الإنسان بغض النظر عن ثقافته وبلده ونوعه وحكاياته على الأرض، وتساؤلاته بينه وبين ذاته منذ وجوده على الأرض بشكل مجرد.

في كل معرض أقدم خطوة جديدة وأطرح تساؤلات مختلفة. كذلك أهتم بالحركة في الجسم أو في الخطوط التي أستعملها، وأن يصل التعبير في أعمالي إلى المستويات الثقافية كافة، حيث إنني لا أستهدف جمهوراً بعينه.

الكائن البشري

نلحظ أن الكائن البشري ثيمة أساسية في كثير من أعمالك. فهل تعده شاغلك الأساسي بتجربتك؟

بالتأكيد. أي عمل فني في أي مجال سواء كان رمزياً أو تجريدياً ينعكس بالنهاية على الإنسان. ربما يكون الرمز مباشراً وواضحاً أو خفياً، يظهر بأشكال مختلفة، ولكن في البداية والنهاية المحور هو الإنسان. ولكني في معرضي أقدّمه بشكل مباشر، الإنسان في محاولات عدة من الأحلام، في لحظة دخول الحلم، واستغراقه فيه، أو في لحظة ما بين الحلم والواقع، أو وهو محبوس داخل الأحلام، أو أسير جسده. إذاً، هي تسجيلات للحظات من أحلام الإنسان بينه وبين نفسه أو بين المجتمع الذي يحيا فيه.

ما سر استحواذ الوجه على اهتمامك والذي عبرت عنه من دون رسم ملامحه؟

الوجه بالنسبة إلي هو عملية التركيز الكامل في الإنسان. الجسد أراه أداة تشكيلية، ولكن محور التركيز في منطقة الرأس أو الوجه. في تمثال «الفكر» اختزلت الجسم واكتفيت باليد والرأس، الحوار أنصبّ بين ثقل حجم الرأس والتكوين بينه وبين اليد. أحياناً أخرى، أبعد الرأس نهائياً كما في تمثال «الدخول في الدائرة»، واستخدم الجسم بشكل تجريدي، من ثم حذف الرأس أو التركيز على الجسم عملية متبادلة بين الموضوع والفكر.

نلحظ أن كتلة الأحجام في معرضك ازدادت نوعاً ما مقارنة بالمعرض السابق «طريق العودة». ما السبب؟

ضمّ المعرض 19 قطعة. في واقع الأمر، عندما نعد لمعرض نلتزم بمحيط القاعة. ثمة حدود للعرض والكتلة التي أعمل بها في مساحة معينة، من ثم أنا محكوم بالمساحة التي أعرض فيها.

«نجم السما»

«نجم السما، والفكر، والدخول في دائرة»... عناوين لبعض أعمالك. لماذا عنونت منحوتاتك؟ ألا يعُد ذلك فرض قيد على حرية المتلقي بقراءة العمل؟

العناوين ليست محددة، بل مفتوحة، وتشير إلى طريق واسع. على سبيل المثال «نجم السما» هو نجم السما، ولكنه لا يضعني في منطقة معينة، أو«الدخول في دائرة» لا يدخلني في دائرة معينة، كذلك الأمر بالنسبة إلى عناوين مثل الفكر، ومهرج، وسحابة من الأحلام، والخلاص الحائر1، والحائر2... إلخ.

يغلب التلخيص والاختزال على منحوتاتك. ما الذي يغريك بهذا الأسلوب؟

للاختزال أهمية من ناحية البحث في الشكل، وأرى أنه أكثر قدرة على التعبير. الحلول التشكيلية الكثيرة على سطح الكتلة تصنع حاجزاً يحول دون الاندماج في التعبير عن النقطة التي أريد الوصول إليها في العمق، لذا أحاول إزالة كل ما من شأنه أن يشوش على وصول رؤيتي أو التواصل مع عمق المضمون.

نفذت المعرض بخامة البرونز. هل تعتبرها أقرب الخامات إلى أفكارك؟

عملت بخامات عدة، ولكن البرونز أكثر الخامات التي تعيش، فهي طبيعية ونبيلة. في آثارنا أعمال برونزية موجودة منذ 7000 عام، وأي فنان يتمنى أن يعيش عمله أطول فترة ممكنة، فضلاً عن أن انعكاس هذه الخامة جميل.

يحملك نجاح معرضيك الأخيرين «طريق العودة» و«أحلام الحرية» مسؤولية كبيرة. ما أبعادها؟

أقمت معرضين في قاعة حكومية واثنين في قاعة خاصة. تسمح الأخيرة بنسبة مشاهدة وانتشار أكثر، ولاحظت أن ثمة كتابات جيدة حول المعرض السابق، ما حمّلني مسؤولية كبيرة بشأن المعرض الأخير، حيث حاولت ألا أكرر نفسي وأصنع أشكالاً كثيرة، وحرصت على وضع خطوط جديدة وحلول مختلفة أول مرة أتعرض لها.

نحت مرهق

يعترف الفنان أمجد التهامي بأن البحث في مجال الأشكال المجسمة أمر مرهق، ويتطلب مجهوداً وتجريباً. يقول في هذا المجال: «ما زلت حتى الآن أقوم بالتجريب ولا أستقر على شيء، بل أحياناً أفاجئ نفسي في كل مرحلة. في بدايتي، تأثرت بالنحات العالمي رودان من ناحية تشكيل الملامح، لكني تعاملت معه بمنطقة فلسفية قدرية. النحت مع المعايشة يجرنا إلى أبعاد أخرى من دون الوقوف في منطقة واحدة. وجدت نفسي أفتح باباً كل حين للتجريب ما بين الكتلة والفراغ. من ثم، أنا أحيا في مرحلة تجريب وسأظل هكذا، حيث إن كشف أسرار الكتلة وعلاقتها بالفراغ ما زال يتطلب فترة طويلة مني ولا أعرف متى سينتهي».

وعن رؤيته لفن النحت الآن مع تعدد معارضه، يذكر: «يشهد النحت حضوراً شبابياً قوياً. سابقاً، كان فن النحت مختفياً، ولكن منذ أربع سنوات ازدهر وأصبحت المنافسة قوية. يسعدني كنحات أن أكون موجوداً وسط هذا التنافس، وقد تنبهت قاعات العرض لهذا المجال وازدهاره، فعملت على استقطاب الفنانين، وتحفيزهم على العرض، فضلاً عن تعدد المسابك في العقدين الأخيرين، ما أسهم بشكل أو بآخر في حدوث طفرة حقيقية في هذا المجال. فعلاً، النحت فن مصري أصيل».