الأرقام التي تتضمنها الميزانية العامة للدولة ليست مجرد أرقام صماء من دون دلالات اجتماعية، فأرقام الميزانية تدل عادة على توجهات الحكومة وانحيازها الاجتماعي، إذ إنها تُبيّن ممَن تُستقطع الأموال؟ ولمصلحة مَن تُوجّه ميزانية الدولة؟ ولذلك فإنه من المفترض ألا يكون هناك شفافية في إطلاع المواطنين على أرقام الميزانية العامة فقط، بل أيضاً على المالية العامة للدولة، إذ إنه من حقهم معرفة كيف تدار ثروتهم الوطنية التي لا تتضح بعض أرقامها في الميزانية العامة للدولة التي أعلنت الأسبوع الماضي ومن ضمنها، على سبيل المثال لا الحصر، الأرباح المُحتجزة لدى بعض المؤسسات العامة، والأموال العامة غير المُحصّلة، وحجم الصناديق الاستثمارية السيادية مع ذكر فوائدها السنوية التي تُغطي العجز المالي الحالي وربما تزيد.

وبالنسبة إلى الميزانية العامة فإن مجرد الإشارة إلى أرقام إجمالية من دون إعطاء تفاصيل لا يكفي، خذ على سبيل المثال لا الحصر، الباب الأول (المرتبات وما في حكمها) الذي ذُكر أنه يكلف 11.2 مليار دينار حسب قطاعات العمل، وهو مبلغ ضخم جداً من دون شك، ولكن ينبغي ذكر تفاصيل أكثر توضح الرواتب والمزايا والمكافآت والبدلات التي يتقاضاها كبار موظفي الدولة، والتي لا يمكن مقارنتها، بأي حال من الأحوال، مع رواتب صغار الموظفين، إذ إن مجمل المبالغ السنوية التي يحصل عليها أي مسؤول كبير (درجة وكيل وزارة مساعد وما فوق وبعضها درجات تُمنح من دون عمل فعلي) يضاهي ما يتقاضاه 20 موظفا في الجهاز الحكومي وربما أكثر.

Ad

وعلى العموم فإن الميزانية الجديدة لم تأت بجديد، مثلما ذكرنا في المقال السابق، فالتوجهات والسياسات الحكومية التي سببت العجز المالي هي ذاتها والانحياز الاجتماعي هو عينه، وفي هذا السياق يشير تقرير "الشال" الاقتصادي الأسبوعي (4 فبراير 2018) إلى أن "مشروع ميزانية السنة المالية 2018 /2019 يعتبر رابع مشروع موازنة عامة منذ سقوط سوق النفط في خريف عام 2014، ومن قراءة أرقامها عجزنا للمرة الرابعة أيضاً عن إيجاد رابط بين تلك الأرقام وأي مسعى حقيقي للوفر والحد من الهدر، أو توجيه نفقاتها لتكون أداة لتحقيق أهداف تنموية معلنة".

ثم يخلص تقرير "الشال" إلى أنه قد "مرت أربع سنوات والحكومة عاجزة عن فهم أن الإصلاح يبدأ منها وينتهي بالمواطن والمقيم لا العكس، وسواء تمت قراءة خطط التنمية السابقة وإنجازاتها، أو دور برامج الإصلاح المالي في تحقيق علاج جاد يضمن استدامة المالية العامة، كل الخلاصات تؤكد ألا إصلاح حقيقياً تحقق، ومشروع الموازنة الحالي ليس سوى تأكيد إما على عدم الرغبة في الإصلاح أو عدم القدرة عليه، ومخاطر ذلك العجز عن الإصلاح أكبر كثيراً مما يتخيلها المواطن".