خلال الشّهرَيْن الفائتَيْن، خدمتُ على مستوى فريقٍ دوليٍّ هدفُه مساعدة حكومة ميانمار للتوصّل إلى سياساتٍ عادلة ومعقولة فيما يخصّ النّزاع الحاصل في ولاية راخين، من ضمنها الأقليّات التي عانت طويلاً في روهينغا، ولكنّني تقدّمتُ باستقالتي قبل أيام، والسّبب هو افتقاري للثقة بقدرة الفريق على مواجهة التحديّات الدقيقة التي تواجهها ميانمار والمنطقة المحيطة بها.

إنّ زعيمة ميانمار أون سان سو تشي انطوائية وغير مستعدّة للاستماع إلى النّقد البنّاء، فحكومتها تركّز على إنجاز مهامها في أسرع وقت عوضاً عن إنجازها بالطّرق السليمة، وفي حال أرادت ميانمار رؤية بصيص أملٍ يجنّبها دوّامة أزمة، وتستعيد عبرها سمعتها الدوليّة، فعليها المباشرة بتطبيق تغييراتٍ جذريةٍ وفوريّة، فالاستمرار باتّباع النهج الحالي سيؤدّي دون أدنى شكّ إلى موجةٍ خطيرة من العنف من شأنها تهديد آمال ميانمار في التنعّم بالسّلام والديمقراطيّة، وتهديد استقرارها الإقليمي، ولا شكّ أنّ ميانمار تواجه تحديّاتٍ هائلة فيما يتعلّق بولاية راخين. إنّ الهجمات المنسّقة التي تقوم بها ميليشيات في البلاد ظهرت حديثاً، دفعت بالجيش الميانماري الى إطلاق "عمليّات أمنيّة" وحشيّة، وقد أَجبَرَ الجيش ما يقارب 800 ألف شخص على الهروب إلى بنغلادش خلال سنة وثلاثة أشهر فقط، تفاقمت نتيجةً لذلك أزمة عدم ثقة متأصّلة بين البوذيّين والمسلمين في ولاية راخين من جهة، وبين كلّ من هاتَيْن الجماعتَيْن والحكومة من جهةٍ أخرى.

Ad

يبقى التّمييز المُمنهج ضدّ الأقليّات، وبالأخصّ المسلمين منهم، متفشّياً، وتجتاح المنطقة أيضاً كثير من شبكات تهريب المخدّرات والاتجار بالبشر، وإنّ الإهمال المُزمن للصحّة والتّعليم والاقتصاد يسهم في تفاقم المشاكل والتحديّات المتزايدة بسبب فشل جهود ميانمار على معالجتها. وعلى الرغم من أنّ التّقرير الأخير للجنة راخين الاستشاريّة التي يرأسها الأمين العام الأسبق للأمم المتّحدة كوفي أنان يوفّر حجر الأساس لميانمار، ما من استراتيجيّة فعلية وضِعت لولاية راخين، ولا تفكّر حكومة ميانمار إلا بالنتائج السريعة عوضاً عن التّركيز على ابتكار طرقٍ تساعد في بناء الثّقة. تفتقر أون سان سو تشي لحسّ القيادة الأخلاقيّة في ظلّ مناخٍ قوميّ معادٍ للإسلام، كذلك إنّ وَلَعْ ميانمار الجديد باستهداف حريّة الصّحافة- الذي ظهر جليّاً في الاعتقالات الأخيرة التي قامت بها ميانمار بحقّ صحافيَّيْن في ولاية راخين– لا يخدمها بالتّأكيد.

ولقلب الأمور فإن على حكومة ميانمار اتخاذ الخطوات الثلاث التالية:

الخطوة الأولى: على أون سان سو تشي تغليب حسّ القيادة الأخلاقية في تعاملها مع أزمة ولاية راخين. وعلى الرّغم من أنّ شعبيتها قد تدنّت منذ سنتيْن، فإنّها ما زالت تنال الاحترام في ميانمار، وعلى الأخصّ من الأكثريّة العرقيّة البورميّة. لذلك عليها الاستفادة من مكانتها لتُدينَ جليّاً خطاب الكراهية والعنصريّة وتحول دون نشر الخطابات المحرّضة على الفتنة والنّزاعات.

الخطوة الثانية: على ميانمار فرض آليّات مساءلة فعّالة لردع مرتكبي أعمال العنف، والتّلويح بأنّ الإفلات من العقاب أمر جائز، وهو تهديدٌ لسيادة القانون التي طالما تغنّت أون سان سو تشي بسعيها لترسيخها. وإنّني متفائل لنيّة ميانمار الجليّة في إجراء تحقيق مستقلّ وشفاف حول اكتشاف مقابر جماعيّة في ولاية راخين، وآمل أن تكون تلك أول خطوة لمحاولة فهم وشرح خلفيّات موجات العنف التي وقعت ومازالت تحصل منذ أكتوبر ٢٠١٦.

الخطوة الثالثة والأخيرة تتمثّل بضرورة تطوير استراتيجيّة خاصّة بولاية راخين، فعلى الحكومة التركيز على تطوير البنى التحتيّة والتنمية فيها ومعالجة التحديّات الأساسيّة كحريّة التنقّل، وإغلاق معسكرات النّازحين. أمّا في حال بقاء الوضع على ما هو عليه، فإنّ ذلك يعني تخبُّط ميانمار والمنطقة في مشاكل نحن في غنى عنها، فحتى لو توقفت أعمال العنف، ينبغي توفير مناخ سليمٍ من حقوق الإنسان ونزاهة العيش مما يشجع النازحين على العودة إلى وطنهم.

على ميانمار أن تصحّح مسارها فوراً خدمةً لمصالحها أوّلاً، ولمصالح المنطقة ثانياً، وعليها في الوقت نفسه أن تتلقّف رغبة المجتمع الدوليّ في مساعدتها لتصحيح مسارها بالشكل المطلوب.

* بيل ريتشاردسون

*«واشنطن بوست»