منذ رواج العملات الرقمية سواء «بتكوين» أو أخواتها، شغل بال الكثيرين من محللين ومتعاملين مسألة كونها عملة أم أصلاً، واختلفت الآراء بشأنها.وأوضح تقرير لـ «بلومبرغ» تراجع عدد المؤيدين للتعامل مع «بتكوين» باعتبارها عملة مؤخرا لثلاثة أسباب، اثنين منها تكنولوجي وواحد اقتصادي.
صعوبة اعتبارها عملة
من الناحية التكنولوجية، تعتبر العملة الرقمية بطيئة وشاقة الاستخدام بسبب ضرورة التحقق بدقة من كل المعاملات عبر كتل صغيرة، لكن يمكن التغلب على هذه المشكلة بسهولة باستخدام كتل أكبر أو استخدام شكل من أشكال التحقق المؤقت لتخفيف العبء عن الشبكة.وتعتمد «بتكوين» على الأشخاص المسؤولين عن تعدين العملة للتحقق من جميع المعاملات، ويتم تعويضهم عن طريق تطوير عملات رقمية جديدة، لكن سرعان ما سيتوقف ذلك نظرا لمحدودية العدد الإجمالي لـ«بتكوين» الذي يبلغ 21 مليونا فقط، ما يعني الحاجة إلى دفع رسوم معاملات لمسؤولي التعدين مستقبلا.أما السبب الاقتصادي فيتمثل في أن الأشياء التي تعتبر استثمارات مالية جيدة لا يمكن أن تكون عملات جيدة والعكس، ففي أي سوق مالي يتسم بالكفاءة مقايضة بين المخاطر والمكسب، فالأشياء التي تعد مخازن جيدة للقيمة على المدى الطويل مثل الأسهم والعقارات، تميل إلى تقلب قيمتها على المدى القصير.أهمية الثبات النسبي
في الوقت نفسه يعتبر التقلب على المدى القصير أمرا سيئا للمدفوعات، خاصة إذا استغرق الأمر بعض الوقت لتأكيد المعاملة كما في حالة «بتكوين»، لأن الشخص لا يعرف حجم ما يدفعه حقاً فمن اشترى البيتزا مقابل 10000 «بتكوين» عام 2010، يساوي الآن أكثر من 100 مليون دولار بالأسعار مؤخرا.هذا هو السبب الذي يجعل معظم العمال في أميركا يتقاضون رواتبهم بالدولار على سبيل المثال، ولا يشتري أحد احتياجاته أو يدفع الإيجار بأسهم «أبل» مثلا.ويلجأ الناس لاستخدام ما يعرف بالنقد الإلزامي الذي تعتمده الحكومات، مثل الدولار الذي يعد مخزنا قويا للقيمة على المدى الطويل، إلا أنه ينخفض وفق معدل التضخم الذي يقدر بنحو 2 في المئة سنويا، ولكن بما أن هذا المعدل ثابت جدا فمن الممكن التنبؤ به وبتحركاته.ولذلك فإن العملات الرقمية لن تكون عملات فعلية باستثناء مستخدميها في الأعمال غير المشروعة سواء تجارة المخدرات أو السلاح أو تمويل الإرهاب الذين لا يستطيعون استخدام أشكال الدفع المعتادة.وفي حين ستختفي بعض تلك العملات وستبقى في طي النسيان، ستظل عملات رقمية أخرى كاستثمارات مالية جيدة بل وسترتفع أسعارها على مدى عقود عديدة.مقارنة برحلة صعود الذهب
وحدثت بالفعل ظاهرة مماثلة مع الذهب، حيث سخر المستثمر والملياردير الأميركي الشهير وارن بافيت ذات مرة من المعدن النفيس كونه أصلا غير منتج، ومع ذلك ارتفع سعره مع مرور الوقت، لكنه رغم كل شيء لا يمكن استخدامه كوسيلة دفع.ويرجع ارتفاع سعر الذهب إلى أنه ليس عديم الفائدة تماما، بفضل استخدامه في المجوهرات وبعض التطبيقات الصناعية.ويتمثل سبب آخر في كون الناس ببساطة يؤمنون بقيمة الذهب، ففي النهاية سعر الأصل يساوي القيمة التي يعتقدها الناس، ويعتقد الكثيرون أن العملات الورقية ستنهار في نهاية المطاف، وأن الذهب سيعود للظهور كعملة عالمية.وظلت هذه الرواية قابلة للتصديق على مدى عقود عديدة وصعود «بتكوين» كبديل لم يؤثر عليها، ربما تكون هناك ذاكرة جمعية راسخة بعمق منذ العصور الوسطى، عندما كانت الحكومات في جميع أنحاء العالم غير مستقرة، واستخدم الذهب والمعادن الثمينة الأخرى على نطاق واسع لتسديد المدفوعات أو كأداة استثمار.وبالمثل، بتكوين أو العملات الرقمية الأخرى قد لا تنتهي حتى لو لم تستخدم لأي غرض، وهي تمثل إيمانا بالنظرية القائلة بأن العملات الورقية محكوم عليها بالفشل أو الاحتفاظ بها للتحوط ضد احتمال انهيار أنظمة المدفوعات الحالية في يوم ما.وعند البحث عن العملات الرقمية للاستثمار فيها، قد يكون من المفيد التفكير ليس حول اختيار أفضلها كنظام دفع، ولكن أيها تمثل الأكثر قدرة على دعم استمرار الشكوك حول بقاء نظام العملة الورقية الحالي.