أمر منطقي، وطبيعي، أن تمتلئ أرفف المكتبة العربية، بين الحين والآخر، بأحدث إصدارات ناقد أو باحث سينمائي، وغالباً ما يحدث هذا بصورة غير منتظمة. لكن ما يحدث من محمد سعيد شيمي فاق التصور، وتجاوز كل خيال، فالرجل الذي حصل على دبلوم متخصص في التصوير الفوتوغرافي من أميركا، وتخرج في قسم التصوير بالمعهد العالي للسينما في العام 1971، وبدأ حياته هاوياً يتذوق الأفلام، في جمعيات ومنتديات السينما، قبل أن ينتقل إلى مرحلة تصوير أفلام الهواة بكاميرا الـ 8 مللي، ثم احتراف التصوير السينمائي، حيث قام بتصوير أكثر من 75 فيلماً تسجيلياً و108 أفلام روائية طويلة، واتجه إلى تطوير نفسه عندما صقل موهبته، بالحصول على دبلومات دولية في الغوص تحت الماء جعلت منه «أول مصور سينمائي مصري تحت الماء».

هذا المبدع الطموح لم يكتف بإنجازاته الكثيرة في مجال تخصصه، ومن بينها مشاركته في عضوية لجان السينما والتحكيم في كثير من المهرجانات السينمائية، وإنما فوجئ به الجميع عندما اتجه إلى كتابة كثير من المقالات المتخصصة في السينما والتصوير، وكان طبيعياً أن تحظى باهتمام، وتهافت، المطبوعات والدوريات، نظراً إلى ندرة المقالات، والدراسات، التي تطرقت إلى هذا النوع من الثقافة السينمائية. وبفطنته، ووعيه، أدرك شيمي أن «السوق»، وليس «المكتبة العربية» فحسب، في حاجة ملحة إلى هذا النوع من الثقافة السينمائية، فاتجه إلى تنظيم ورش متخصصة في تعليم التصوير السينمائي، ودورات في تعليم التصوير تحت الماء، ومحاضرات في فن التصوير السينمائي والفيديو، والعلاقة بينهما والفنون التشكيلية. كذلك استجاب للعروض الكثيرة التي انهالت عليه لتدريس الإضاءة والتصوير السينمائي في الأكاديميات المتخصصة، وكليات الإعلام، والتربية النوعية، بالإضافة إلى معهد الإذاعة والتلفزيون التابع لما كان يُسمى وقتها وزارة الإعلام، والإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه في كلية الفنون التطبيقية وأكاديمية الفنون.

Ad

غير أن ما يعنينا هنا هو الحديث عن المنجز الثقافي غير المسبوق، الذي حققه محمد سعيد شيمي، في مجال التثقيف السينمائي، خصوصاً أن ما يكتب فيه، وعنه، ليس من قبيل «كناسة الدكان»، حسب تعبير الكاتب الكبير يحيى حقي، الذي وظفه أحد نقادنا السينمائيين للهجوم على ناقد آخر عُرف بتجميع مقالاته في الكتب ليس أكثر. فالكتب التي أصدرها شيمي، وتجاوزت 22 مؤلفاً، تخصصت في مجال لا يمكن القول، مُطلقاً، إن الكتابة عنه، وفيه، «وسيلة للكسب والتربح»، أو من قبيل «البروباغندا»، بل إضافة نوعية بمعنى الكلمة. فأي مصلحة شخصية له في أن يكتب في عام 1997 عن «تاريخ التصوير السينمائي في مصر 1897 – 1996»، ويتبعه في العام الذي يليه بكتاب «الحيل السينمائية للأطفال»، الذي صدر عن مهرجان القاهرة الثامن لسينما الأطفال، كذلك الجزءان اللذان كتبهما عن «الخدع والمؤثرات الخاصة في الفيلم المصري» عن هيئة قصور الثقافة؟ وإذا كان البعض ينظر إلى كتابه «التصوير السينمائي تحت الماء» بأنه يتوجه إلى المتخصصين، فأي جاحد، أو ناكر للجميل، ذلك الذي لا يرى في كتبه التي تحمل عناوين: «أفلامي مع عاطف الطيب»، و«كلاكيت أول مرة»، الذي صدرت له طبعة ثانية بعنوان «سينما آخر شقاوة»، و«القاهرة والسينما»، و«محسن نصر: الإبداع على الوتر الحساس»، و«اتجاهات الإبداع في الصورة السينمائية المصرية»، وكتابه الذي حكى «تجربتي مع الصورة السينمائية»، وتواصله مع الطفرة التي اعترت تقنية الصورة على الشاشة في كتاب «الصورة السينمائية بالوسائل الرقمية»، إضافة نوعية، بل طفرة، بمعنى الكلمة؟ ومن يُنكر عليه وفاءه لأصدقائه، كما فعل في كتبه عن محمد خان وعاطف الطيب، واكتشافاته المثيرة، كما فعل في كتابه «مصطفى حسن مبدع الصورة والحيل السينمائية»، عن المخضرم «مصطفى حسن» (1908 – 1968)، الذي يُعد واحداً من رواد التصوير السينمائي في السينما المصرية، وهو الكتاب الذي يعود الفضل في إصداره إلى سلسلة «كتاب السينما»، التي تصدر عن الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، برئاسة الكاتب الصحافي الأمير أباظة، وباتت تسد نقصاً كبيراً، وفراغاً هائلاً، في المكتبة السينمائية، في غيبة كاملة لوزارة الثقافة المصرية!

الأمر المؤكد أن محمد سعيد شيمي سيبقى صاحب بصمة، في تاريخ السينما المصرية، ليس فحسب كمبدع لكثير من الأفلام الناجحة، ورائد للتصوير تحت الماء، ومحاضر ومدرس لفن التصوير والإضاءة، بل كأستاذ للثقافة السينمائية، وصاحب دور لا يُنكر في اقتحام نوع من الثقافة السينمائية كان إلى وقت قريب من «التابوهات»!.