أيامنا الحلوة عنوان جاذب للبهجة وإن لم يأت بها، أول رواية أقرأها للمغربي موحا صواك، درس القانون وعمل مدرسا للغة الفرنسية، لذا نجد روايته هذه مترجمة من الفرنسية، وليست مكتوبة باللغة العربية، كتب القصص القصيرة، وأنجز أفلاما وثائقية نال عليها جائزة مهرجان تطوان سنة 1986، وهو من الأصوات الروائية الجديدة والمختلفة في المغرب، حازت روايته "أيامنا الحلوة" على جائزة الأطلس الكبير للأدب الفرانكفوني لعام 2014.

الرواية فيها روح السيناريو السينمائي، فحوادثها تبدأ من موقف انتظار القطار الذي سيقل كاتب الرواية الصحافي الذاهب إلى مراكش لعمل مقابلة صحافية مع الحاجة "حلومة"، التي اختارت هذا الاسم بدلا من اسمها الأصلي "فضيلة"، لتكون بحماية مرضعة الرسول حليمة، وبذات الوقت اشتقت الاسم من معبودها المطرب عبدالحليم حافظ الذي بسببه تشكلت وتحددت مسارات حياتها، لتنتهي إلى التحاقها بالشيخات، وهن مغنيات فن "العيطة" الشعبي المغربي الإنشادي، الذي يدور حول الأمور العاطفية الخاصة بالأعراس والمناسبات الاجتماعية.

Ad

تتداخل حكايات أناس القطار بسرد الكاتب الصحافي، وتسجيله خواطره عن "فضيلة" بمشاهد حكائية متنقلة بينها وبينهم، فيتعرف القارئ تدريجيا على حياة فضيلة العاشقة لعبدالحليم حافظ منذ مراهقتها، وبسببه تنال الضرب والعقاب الشديد من والدها لمشاهدتها فيلمه بالسينما، وحينما يضبطها أبوها مرة أخرى خارجة من السينما يقرر تزويجها لجزار كان قد خطبها عدة مرات ورفضته، وفي ليلة عرسها ترسل طلبا إلى المغني الشعبي ليغني لها أغنية لعبدالحليم حافظ، ولسوء حظها كانت أغاني عبدالحليم محرمة في ذاك الوقت، بسبب المناوشات السياسية بين المغرب والجزائر، وأيدت فيها مصر الجانب الجزائري، وهنا قامت قيامة المحتفلين بالعرس، وأشبعها العريس ضربا، وما بين تنقلات المشاهد المتداخلة والمتقاطعة مع حياة فضيلة المغرمة بعبدالحليم حافظ وركاب القطار يدون الصحافي مشاهداته حول "منى" الشابة الجميلة الجالسة بقرب مدربة رقص الكوريغرافي الحداثي، وتريد تطوير الرقص الشعبي من خلاله، وصفاء وهي امرأة غنية من مراكش تعكس التناقض بين الفقر الفاقع والثراء الفاحش، إلى جانب مجموعة من السياح الشباب الأجانب، الذين يقطعون رحلتهم بهذا القطار المتضعضع، الذي ينقطع حيله ويتوقف بهم طوال الليل حتى يتم إصلاحه، وهذا مقتطف من توضيح منى لمعنى الرقص: "أشارت منى إلى أن القدماء كانوا أشد ذكاء منا، لأنهم كانوا يعرفون أن الجسد كان الرابط بين السماء والأرض، فهذا البدن اللصيق بالأرض يحمل رأسا يتعالى بين الغيوم، ويسعى للطيران ليتخفف مما يشده للأرض، ولحظات الوجد والصلوات والشعائر تحرر النفس من قوقعتها ومن قفصها الضيق، الرقص يحرر الجسد من الأرض، ويرسم تخومها ويمنح الروح والبدن تناغمهما".

الرواية تنتقد وتوضح الإهمال والتخلف بكل مجال يراه المؤلف، فمثلا يرى أن الجامعات بدلا من أن تعلم الطلبة التحليل والمقاربة النقدية، والتجريب والشك، تلقنهم التطرف والخلط بين المفاهيم والغموض في الأفكار.

من خلال عشق فضيلة لعبدالحليم حافظ يستعرض الكاتب الأوضاع السياسية بما فيها الخناقات والاختلافات والانقلاب على الحكم، والتفاوت الطبقي الاجتماعي، والتراث الثقافي والفني والأدبي الذي ينعكس ويؤثر على تشكيله وتكوينه الوعي والإدراك الاجتماعي لأفراد المجتمع.

وتنتهي الرواية بعد أن تتم مقابلة الصحافي للشيخة حلومة، أي التي كانت سابقا فضيلة، ويكتشف أن منى جاءت لتطوير وتدريب فرقتها على الكرويغرافي، ويعرف أنها ليست ابنتها، وأن ابنتها خاصمتها من أجل أفغانستان. الشيخة حلومة التي رفضت كل شيء من أجل حبها للفن، تأتي ابنتها لترفض كل شيء من أجل الدين، منتهى التناقض بين موقف ومشروع الأم الحياتي وموقف ومشروع ابنتها الحياتي، الذي يعكس تأثيرات ثقافة زمنهما المتناقض عليهما.

تنتهي الرواية حين تسر فضيلة للصحافي بأنها تخلصت من حبها لعبدالحليم بعد موته، وأخبرته أن أمنيتها أن تذهب للترحم على قبره حتى تتخلص من ذاك الحلم الذي سكنها واستعمر حياتها، وهي ترغب في عيش أحلامها الآن في مدينتها.