سؤال طرحته في الانتخابات الرئاسية الأولى للرئيس عبدالفتاح السيسي، على هامش بيان أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتاريخ 27/1/2014 تأييدا للرئيس السيسي هو: هل يرسخ هذا البيان دور المجلس في السباق الرئاسي؟ في مقال لي نشر على هذه الصفحة بتاريخ 16/2/2014 تحت عنوان "على هامش بیان المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر"، قلت فيه إنه لا أحد ينكر الالتفاف الشعبي حول المشير السيسي، وإن هذا الرجل قد توسد قلوب الغالبية العظمى من أبناء هذا الشعب عندما حمى ثورته في 30 يونيو، وجنب الشعب حربا أهلية توعدت بها جماعة "الإخوان" كل من ينزل في هذا اليوم للشارع، وأعيد طرح هذا السؤال في عنوان مقال اليوم على مقتضى ما حدث في الانتخابات الرئاسية الحالية، وقلت في المقال المذكور إن:

Ad

البيان سابقة خطيرة في السباق الرئاسي:

لأنه قد يرسخ لسابقة خطيرة لدور للجيش على الخريطة السياسية في مصر، وهو مجلس عسكري احترافي، وأن العسكريين ليس لهم أصلاً حق الانتخاب، وأنهم يجب أن يحتفظوا بحيدتهم بين المرشحين لانتخابات الرئاسة، وأن تأييد المجلس لمرشح دون آخر، قد يصبح سابقة خطيرة تمهد لأوخم العواقب، وهو أن ينقسم الجيش على نفسه، إذا تقدم للترشح أكثر من مرشح له خلفية عسكرية، واختلفت فروع الجيش التي ينتمي إليها المرشحون العسكريون، وجنوده خير جنود الأرض، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حياد القوات المسلحة

وبالرغم من أن المجلس قد صادفه التوفيق في هذا البيان حين قصر إشادته للسيسي على إنجازاته في تطوير القوات المسلحة، وبالرغم من تأكيد هذا البيان، وأن لـ"الفريق السيسي أن يتصرف وفق ضميره الوطني ويتحمل مسؤولية الواجب الذي نودي إليه".

ومع ذلك كان رأيي في هذا المقال أنه لم تكن هناك ضرورة لهذا البيان، الذي قد يزعزع ثقة البعض في حياد القوات المسلحة، وختمت مقالي بالسؤال الذي اتخذته عنوانا لمقال اليوم، وبسؤال آخر هو: ما دور الجيش على خريطة مستقبل مصر؟

إقصاء الفريق أول سامي عنان

ولكن ما لم يدخل في خيالي أو في خيال أي باحث دستوري أو قانوني، أن يتدخل الجيش في السباق الرئاسي لإقصاء مواطن مصري يدعى سامي عنان، لأنه كان له شرف العمل بالقوات المسلحة ضابطا خاض حرب 1973 التي حررت سيناء، وكان رئيسا لأركان حرب الجيش المصري، ودور المجلس الأعلى للقوات المسلحة في حماية الشعب في ثورة 25 يناير وتجنيب البلاد حرباً أهلية هو دور غير منكور.

وكان الجيش قد أقصى قبل ذلك بأسابيع مواطنا مصرياً آخر عقيدا في القوات المسلحة فور إعلانه ترشحه لانتخابات الرئاسة، وخضع لمحاكمة عسكرية.

ولا يعرف حتى الآن السبب الرئيس في تراجع الفريق أحمد شفيق عن ترشحه للانتخابات الرئاسية، وهل كان للجيش دخل في هذا التراجع، باعتبار منصبه السابق كقائد للقوات الجوية.

أسباب الإباحة وموانع العقاب

ودون الخوض في الجرائم العسكرية التي نسبت إلى الفريق سامي عنان فقد أفرد قانون العقوبات المصري الباب التاسع لأسباب الإباحة وموانع العقاب، ومن بينها استعمال حق يقرره القانون، وتصدرت المادة (60) هذا الباب لتنص على أنه: "لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة"، وقد استقر الفقه والقضاء في تفسير أحكام هذه المادة، بأن المقصود هو القاعدة القانونية التي تصدر من السلطة التشريعية وتقرر حقا، وأنها تصدق على فروع القانون المختلفة"، وأن من الحقوق ما يكون مصدره الدستور.

(شرح قانون العقوبات– القسم العام- د. محمد محمود مصطفى– ط 1969 ص52-188)

حق الانتخاب والترشح

في قضاء المحكمة الدستورية أن حقي الاقتراع والترشح هما محور السيادة الشعبية وقاعدة بنيانها، فلا يجوز إنكار أصل وجودهما أو تقييد آثارهما بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونا لممارستهما أو الانتفاع بهما. (جلسة 3/2/1996 القضية رقم 2 لسنة 16 قضائية دستورية).

وأنهما يتكاملان مع ما تنص عليه المادة (8) من تكافؤ الفرص لجميع المواطنين وما تكفله المادة (40) من المساواة بين المواطنين فى الحقوق العامة وتحظر التمييز بينهم بأي سبب من الأسباب 19/5/1990 ق 37 لسنة 9 ق.

كما أن حق الاقتراع صورة من صور التعبير عن الرأي من خلال إدلاء الناخبين بأصواتهم التي يبلورون بها إرادة اختيار ممثليهم (سنة 7/2/1998 القضية رقم 77 لسنة 19 قضائية دستورية).

تأبيد الحرمان من الحقوق السياسية

لذلك فإن من نافلة القول ما قيل بأن رئيس أركان حرب القوات المسلحة يظل محروما من حقوقه السياسية، لأنه محل استدعاء مدى حياته حتى وفاته، إذ يتأبي هذا الحرمان الأبدي من الحقوق السياسية مع نصوص الدستور، التي تحمي الحقوق والحريات العامة، وتمنع المساس بها أو الانتقاص منها ولو بتشريع فوض في تنظيمها (المحكمة الدستورية الحكم الصادر بجلسة 4/1/1992 ق 27 لسنة 8 ق وجلسة 15/4/1992 ق 23 لسنة 8 ق).

ويتأبي كذلك مع خضوع الدولة للقانون المحدد– وفقا لقضاء المحكمة الدستورية في مصر- على ضوء مفهوم الديمقراطية ومؤداه، ألا تخل تشريعات الدولة بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وحرياته وكرامته وشخصيته المتكاملة. (جلسة 4/1/1992 ق 22 لسنة 8 ق).

سمو الدستور

ويتأبي ذلك أيضا مع خضوع كل القوانين، ومنها القوانين العسكرية لنصوص الدستور، وكانت المحكمة في الحكم الأخير قد قضت بعدم دستورية القرار بقانون رقم 32 لسنة 1963 فيما تضمنه من سريان عقوبات انضباطية بأثر رجعي بالنسبة إلى ضباط القوات المسلحة.

ويكشف قضاء المحكمة في بسط رقابتها الدستورية على هذا القانون أن القوانين العسكرية وما تتضمنه من جرائم عسكرية ليست بمنأى من الخضوع لأحكام الدستور، فضلا عن أسباب الإباحه وموانع العقاب.

لذلك فإن الحق الدستوري، في الترشح، كان يجب أن يتبوأ مكانه اللائق به لكل من يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية، سواء كان ضابطا عاملا أو ضابطا مستدعى، لأنه لو فاز في هذه الانتخابات سيصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة، وقد استخدم حقا يقرره له الدستور.

ويتميز الدستور بطبيعة خاصة تضفي عليه السيادة والسمو، وتستوي قواعده على القمة من النظام الدستوري والقانوني للدولة، وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، اعتبارا بأن أحكام الدستور هي أسمى القواعد الآمرة التي تلتزم الدولة بالخضوع لها في تشريعها وقضائها، وفي مجال مباشرتها لسلطاتها (المحكمة الدستورية العليا في مصر جلسة 4/1/1992 القضية رقم 27 لسنة 8 ق دستورية).

وكم كنت أتمنى من السلطة العسكرية وفي مجال مباشرتها لسلطاتها في الانتخابات الرئاسية الحالية، أن تتأسى بالمعاني الرائعة التي وردت في بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة سالف الذكر، بأن الحكم في هذا الأمر يجب أن يكون لصوت جماهير الشعب، وأن الإرادة العليا لجماهير الشعب هي الأمر المطاع والواجب النفاذ في كل الظروف.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.