بينما تقوم إدارة ترامب بتصعيد التدخّل العسكري في أفغانستان وسورية، يتساءل البعض عما حلّ بالرئيس ترامب الذي وصف الحرب في أفغانستان بالكارثية، وردّد مراراً وتكراراً «حان وقت العودة إلى الديار»، والذي تعهّد بالقيام بأمرٍ واحد فحسب خلال حرب سورية ألا وهو «محو الدولة الإسلامية من الوجود».

ولكن على الرغم من ذلك، لا يزال ترامب يُرسل مزيداً من القوات إلى أفغانستان (أطول حربٍ في تاريخ الولايات المتحدة) ويقوم بتوسيع نطاق مهمتنا في سورية.

Ad

في الواقع على الرغم من أنّ ترامب عنيد، وصاحب ثقة مفرطة بالنفس في ما يخص المسائل التي طرحها (الرعاية الصحية، التغيّر المناخي، الهجرة، الحمائية) فإنّه عندما يتعلق الأمر باستخدام القوة العسكرية، يرجع إلى الجنرالات المقرّبين منه.

تبيّن في بعض الأحيان أنّ هذه الخطوة كانت صائبة، وبالفعل قام وزير الدفاع جيمس ماتيس، وهو جنرال سابق في القوات البحرية حاصل على أربع نجوم، بإقناع ترامب مرات عدّة بعدم مواصلة عملية تعذيب الإرهابيين المشتبه فيهم، وأقنع ماتيس وهربرت مكماستر وهو مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب وضابط عسكري برتبة فريق في الجيش الأميركي ترامب بعدم تمزيق الاتفاق النووي الإيراني، كذلك أحاط العديد من كبار الضباط في وزارة الدفاع الأميركية علم ترامب، كما فعلوا سابقاً مع أسلافه، بشأن المخاطر المتعلقة بقصف كوريا الجنوبية.

ولكن في ما يخص أفغانستان وسورية، فإنَّ ماتيس ومكماستر ملتزمان كلّ الالتزام بهاتين القضيتين ليس بالضرورة لتحقيق الانتصار ولكن لتفادي الخسارة؛ لذا حاولا قدر المستطاع إقناع ترامب بضخ مزيد من الأسلحة والقوات، وفي نهاية المطاف رضخ ترامب لمطالبهما. باختصار ما من نهاية تلوح في أفق الحرب في أفغانستان.

الأمر مختلف بالنسبة إلى سورية إنّما الوضع ليس أكثر تفاؤلاً، ففي بداية ولايته قلّص ترامب من القيود التي كان قد فرضها أوباما على عمليات القصف على المناطق المدنية وسمح بالمقابل للقادة في الميدان بوضع قواعد للمشاركة. كان من شأن ذلك أن يُسرّع هزيمة الدولة الإسلامية في الميدان وسقوط خليفتها، ولكن لم يكن لديه الوقع المطلوب على أعمال الجهاديين حول العالم وأدّى إلى تعزيز النزاعات الكامنة في سورية.

من الجدير بالذكر أنّ الولايات المتحدة تُحارب في الدول التي تعتبر الدولة الإسلامية تهديداً أساسياً فقط والقضاء عليها مهمة رئيسة، وكلّ الدول والفصائل الأخرى تعتبر الدولة الإسلامية، في أفضل الأحوال، تهديداً ثانوياً، فالتحدّي الأساسي الذي تُواجهه هذه الدول والفصائل ينبع من النعرات الطائفية المتأجّجة أو النزاعات الإقليمية.

وبالتالي فقد قامت القوى المحلية بالتلاعب بالولايات المتحدة، وأوهمتها بالمشاركة في الحرب ضد الدولة الإسلامية لكي تساعدها في التصدي لتهديداتها الأساسية كمساعدتها في تحقيق مصالحها الأساسية، ولكن المشكلة هي في أنّ بعض هذه المصالح متعارض مع مصالح دولٍ أخرى، فلا يسعنا إذاً مساعدة بعض هذه الدول من دون تهميش دولٍ أخرى.

تقوم الإدارة الأميركية حالياً بالتوغل في بحثها، فقد قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في خطاب ألقاه في جامعة ستانفورد إنَّ على الولايات المتحدة المحافظة على وجودها العسكري في سورية لتحقيق خمسة أهداف: أولاً هزيمة الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة، ثانياً الإطاحة ببشار الأسد عبر عمليةٍ سياسية تقودها الأمم المتحدة، ثالثاً تقليص النفوذ الإيراني، رابعاً عودة جميع اللاجئين السوريين، خامساً التخلص من كلّ أسلحة الدمار الشامل.

كلّ هذه الأهداف جديرة بالاهتمام، ولكن ما زال الغموض يكتنف كيفية تحقيقها من خلال الوجود العسكري، إذ من المحتمل عدم تحقّق تلك الأهداف من دون الوجود العسكري هذا، ويجب ربط هذا الوجود باستراتيجيةٍ معينة تتطلب أكثر من مجرد سرد للأهداف المذكورة، كذلك تتطلّب الاستراتيجية هذه تحديد المصالح وجمع الموارد وصياغة سياسةٍ واضحة وتنفيذها.

ونظراً لعدم تمتعنا بنفوذٍ كبير في سورية، يتطلب هذا الأمر كذلك تسويةً وتنسيقاً مع دولٍ وميليشيات أخرى، ولكن من هي الدول والميليشيات هذه؟ هل باستطاعتنا القيام بذلك من دون أي مساعدة من روسيا أو إيران أو تركيا أو الأكراد أو بعض القوات المحلية الموجودة في سورية أو حتى جميع هذه القوات مجتمعة؟

قد تأتي الإجابة سلبيةً، فخلال ولاية أوباما عقد وزير الخارجية الأميركي آنذاك جون كيري، مؤتمراً دبلوماسياً في النمسا، شاركت فيه إحدى وعشرون دولة طرفاً في النزاع، وعجزت هذه الدول حتى عن الاتفاق على بعض المبادئ الأساسية، ومنذ ذلك الحين اتسعت الهوة وتضاءل نفوذنا وازدادت سيطرة الأسد على زمام الحكم وازداد وجود الميليشيات المدعومة من إيران والداعمة للأسد، حتى أسلحة الدمار الشامل ما زالت موجودة.

وفي شهر أبريل أطلق ترامب تسعا وخمسين قذيفة انسيابية على قاعدةٍ في سورية لمعاقبة الأسد بسبب استخدامه للأسلحة الكيميائية ضد شعبه، فاعتقد ترامب وآخرون أنّ هذا العقاب أوفى بالغرض ولكن في الأسبوع نفسه، قام الأسد، مرّة جديدة، باستخدام الأسلحة الكيميائية.

لقد رأينا هذا السيناريو سابقاً، نقوم بإرسال قوات وإطلاق قذائف قد يظنها البعض لغايةٍ نبيلة، ولكن لا تنفكّ المشكلة تزداد سوءاً فنقوم بإرسال مزيدٍ من القوات وإطلاق مزيدٍ من القذائف ووضع استراتيجية جديدة ومن ثم استراتيجيةٍ أخرى (تُصبح في نهاية المطاف شبيهةً بالاستراتيجيات القديمة) ومن ثم تبقى الأمور على حالها، وتتصاعد أعمال العنف ونحقّق بعض الانتصارات التكتيكية من دون التوصُّل إلى أي إنجازاتٍ استراتيجية.

هذا هو موقف ترامب حالياً إزاء هذه الحروب اللامتناهية، التي لم يشأ في البداية أن يكون طرفاً فيها، وقام بانتقاد أسلافه لوقوعهم في فخّها، إلا أن ترامب ومستشاريه لا يملكون أدنى فكرة حول كيفية الخروج من هذه الدوامة من دون تأزيم الوضع، ولا أود هنا أن أقارن الوضع بحرب فيتنام التي كانت أشدَّ فتكاً وغير ضرورية إطلاقاً، ولكن ترامب يجد نفسه اليوم واقعاً في المستنقع نفسه!

● فريد كابلان- سلايت