لا أقول إن الصين وصلت إلى حافة الانهيار، رغم أن هناك الكثير من الناس في خارج الصين يتوقعون انهيارها على غرار ما حدث مع الاتحاد السوفياتي السابق، فبعد الإمعان في مقابلات وكتب وتحليلات سياسية وصحف مكشوفة المصادر حول ما تظنه النخبة في الصين إزاء ما يخبئه لها المستقبل، لم أتوصل إلى ما يشير إلى تعرض بكين إلى انهيار.

إن النفوذ الاقتصادي الصيني كبير إلى درجة يجعل نهاية صعودها كبيرا ولافتاً، وبينما تمسك الخبراء في الخارج بالرواية القائلة إن بكين ماضية في مسار تصاعدي مستمر للنمو والنفوذ ينظر مسؤولون حكوميون وقادة أعمال إلى وضع الصين بصورة تنطوي على درجة أكبر من التروي والبصيرة ويتحدون الفكرة المهيمنة التي ترى أن ذلك البلد يشكل قوة صاعدة، وبالنسبة اليهم قد تكون نهاية صعود الصين وشيكة الحدوث، ويظل السؤال الرئيسي حول كيفية تكيف اللاعبين الرئيسيين داخل الصين وخارجها مع هذا التغير التاريخي العالمي.

Ad

أشعر بدهشة في أغلب الأحيان عندما أدرك أن كل طلابي في الجامعة تقريباً يعتقدون أن صعود الصين حقيقة بديهية، وقد أشار بيل أوفرهولت، وهو أستاذ في جامعة هارفارد الآن، إلى ذلك في أحد كتبه في سنة 1993. وبحلول نهاية حقبة التسعينيات من القرن الماضي ترسخت فكرة صعود الصين في أذهان الناس في شتى أنحاء العالم على شكل أساس لحل التعقيد المتمثل في «جمهورية الشعب» الصينية، وبصورة تساعدنا على ترجمة وفهم وتوقع كل شيء ينطوي على أهمية في الصين – وفي العالم – في نهاية المطاف.

وفي غضون ذلك أعرب الكثير من الخبراء والمختصين في الشؤون الصينية بشكل صريح عن رأيهم في أن صعود الصين سوف يستمر إلى الأبد. وعلى الرغم من ذلك كان من الصعب حتى بالنسبة لنا نحن الذين نتابع أوضاع الصين اليومية تجاوز الاثارة في جانب الصعود المستمر.كما كان التخصص في شؤون الصين في الفترة ما بين سنة 2000 إلى 2015 مسألة مثيرة للبهجة لأن عدداً من الناس في حقل العلاقات العامة كان يهتم بذلك بصورة متزايدة. وكان مصدر اطراء وارتياح وجود ذلك العدد الكبير من المهتمين ومن حقول متعددة وهم ينظرون الينا بجدية ويطلبون منا المساعدة على فهم حقيقة الوضع في ذلك البلد، وفي تفكيرنا الخاص على الأقل أصبح الخبراء في الشؤون الصينية شريحة «مهمة» لأن الصين بدأت تتمتع بأهمية متصاعدة.

التوقعات الواثقة

ولكن على الرغم من ذلك كله لم أكن أشعر بارتياح في الوقت ذاته للتوقعات الواثقة التي صدرت عن البعض من علماء الاجتماع وعن عدد لا يحصى من المعلقين ازاء مستقبل الصين. وعلى سبيل المثال كنت أشعر بالضيق والانزعاج من التوقعات التي تحدثت عن صعود ناجح حتمي للصين سوف يفضي إلى تمكينها من حكم العالم ذات يوم أو بصورة أقل شيوعاً أن تتحول بكين إلى شيء يشبه الثقب الأسود بصورة دائمة في الحقل السياسي.

وكان السؤال هو هل هذه التوقعات المتعلقة بصعود الصين سوف تفضي بشكل حتمي إلى اندماج بكين بصورة ناعمة في المجتمع الدولي أو إلى حدوث حرب كارثية مع الولايات المتحدة نتيجة انتقال القوة بصورة لا يمكن التحكم بها.

وفي نهاية المطاف أدركت أن الجزء المفقود في تلك التوقعات المفرطة في الثقة كان يتمثل في التقييم الحذر من جانب محللي الوضع في الصين أنفسهم – وبشكل خاص من جانب شريحة الأكاديميين والنخبة الأخرى من صناع السياسة. وبغض النظر عن إمكانية وضع هؤلاء المحللين لأفكار تمثل تلك التي لدى صناع السياسة أو تعكس أفكارهم الموجودة من قبل فإن توقعاتهم المتعلقة بصعود الصين يمكن أن توفر مؤشرات فريدة عن الفارق المحتمل في الاتجاه الذي قد تتبعه الصين في المستقبل.

ومن خلال تفحص ومراجعة تلك الأصوات تشكلت نقطة المغادرة بالنسبة إلى مستقبل الصين التي تهدف إلى فهم كيفية ترجمة النافذين في بكين لمستقبل بلادهم التي تعتبر مجتمعاً معقداً وبالتالي لم يكن مفاجئاً اكتشافي لوجود تشكيلة من وجهات النظر المتباينة بشدة في كل ميدان قمت بفحصه وتدقيقه: في الاقتصاد والسياسة وثقافة الانترنت والعلاقات الدولية. وعلى الرغم من ذلك تمكنت من رسم شريحة من وجهات النظر في كل الفصول الحيوية.

الاستخلاص المهم

ثم توصلت إلى استخلاص ينطوي على أهمية، وهو أنه فيما كانت الأكثرية الساحقة من خبراء الاقتصاد والمجتمع في الصين تهتم بصورة عميقة باحتمالات المستقبل في الصين منذ سنة 2005 على الأقل، فإن معظم خبراء العلاقات الدولية الصينيين – وخاصة في جيش التحرير الصيني – يشعرون بتفاؤل فائق من دون الالتفات إلى تحذيرات خبراء الاقتصاد والأسباب الكامنة وراء تلك التحذيرات، وهي ظاهرة مثيرة للقلق حقاً لأنها تشتمل على رؤى تتسم بقدر كبير من عدم الوضوح.

ومن باب اليقين أقول وبتعابير مطلقة إن العديد من علماء العلاقات الدولية الصينيين الذين يعكفون على قراءة وفهم تحذيرات خبراء الاقتصاد كانوا يجادلون على ذلك الأساس في أن السياسة الخارجية للصين قد أصبحت نشيطة في السنوات الأخيرة. وهذه الشريحة من خبراء العلاقات الدولية تعتبر أن أسس الصعود ضعيفة بما يكفي في الوقت الراهن بالنسبة إلى بكين بحيث تشجعها على القيام بمجازفات كبيرة في ميدان السياسة الخارجية. والأكثر من ذلك أنهم يشعرون بقلق من تأثير زملائهم المتفائلين، كما أنهم يفهمون أن صعود الصين ليس حقيقة مؤكدة وراسخة وبالتالي فإنهم يدركون أن تعثر الصعود سوف يجعل التوصل إلى حلول حول مشاكل البلاد الأخرى – مثل مشاكلها البيئية – أكثر صعوبة إلى حد كبير إذا كانت علاقاتها الدولية متوترة نتيجة الافراط في تأكيد مواقفها السياسية المعلنة.

تنوع وجهات النظر

هذا التنوع في وجهات النظر – حول حقائق الصين في مواجهة الاعتقاد المشوه – يؤسس لحدوث هزة اجتماعية قد يصعب تحديد أبعادها ومضاعفاتها. وإذا كان خبراء الاقتصاد وعلماء الاجتماع على حق في نظرتهم القائلة إن صعود الصين قد انتهى الآن فكيف سوف تكون آراء المختصين في حقل العلاقات الدولية الذين يعتقدون أن عظمة المستقبل قد أصبحت عملية منتهية ولم يعد لها وجود؟ وكيف يمكنهم معالجة تأثيرات مواجهة فخ ذوي الدخل المتوسط مع دخول مئات الملايين من السكان حقبة التقدم في العمر في واحدة من أكثر البيئات تلوثاً في تاريخ البشرية؟ وهل سوف يدفع الخوف من الاضطرابات العلماء والعناصر الوطنية والمجتمع الأوسع إلى دعم وتأييد الرئيس الصيني زي جينبنغ في جهوده الرامية إلى احياء وانعاش الحكم المطلق؟ أم أن ذلك سوف يضاعف القلاقل الوطنية؟ هذا ما سوف يكشف عنه المستقبل في الصين.

● دانييل لينش – ستانفورد