بعد مذبحة المكتب السياسي في 13 يناير 1986 صدرت إحدى الصحف اللبنانية بعنوان كبير على الصفحة الأولى يقول: "جُنَّت عدن"، وليس جنة عدن، وحقيقة إن تلك المذبحة التي ارتكبها الرئيس علي ناصر محمد كانت جنوناً انتهى بتلك الدولة إلى الارتماء في أحضان الرئيس علي عبدالله صالح الذي اختار "تلطُفاً" علي سالم البيض نائباً "شكلياً" له، وهنا فإنه لابد من الإشارة إلى أن ما أجبر الجنوبيين على هذا الارتماء هو انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان يعتبر الحاضنة السياسية والاقتصادية... والعسكرية لدولتهم.

الآن يبدو أن عدن قد "جُنَّت" مرة ثانية بالفعل إذا كان ما حصل فيها وما يحصل هو انقلاب عسكري جديد يضاف إلى العديد من الانقلابات العسكرية السابقة، وأنه انقلاب "تشطيري"، وحقيقة إنني إلى الآن أستبعد أن يكون الحزب الاشتراكي، وأي من الرئيسين السابقين علي ناصر محمد وعلي سالم البيض، متورطاً في هذا التطور، فالوقت ليس وقت انقلابات عسكرية، واليمنيون، الذين لا يستحقون إلا الخير والاستقرار، لا ينقصهم المزيد من الهموم، إضافة إلى همومهم الموجعة الحالية، وهم ليسوا بحاجة إلى حروب جديدة تضاف إلى هذه الحرب الطاحنة التي من الواضح أن نهايتها غير قريبة.

Ad

لكن ومادامت النفوس أمارة بالسوء فإنه غير بعيد أن يكون الشيطان، ومعه شياطين آدمية كثيرة، قد وسوس في صدور بعض قادة الحزب الاشتراكي الذين ما زالوا يحنون إلى ذلك الماضي الذي أصبح بعيداً، والذي لم يكن في كل الأحوال "لا جنة ولا هم يحزنون"، والذي إن عاد فإنه سيكون، بالتأكيد، أسوأ كثيرا من الذي سبقه، وسيؤدي إلى صراعات لا نهاية لها، وإلى تدخلات خارجية ليست عربية فقط، بل ومن كل فج عميق!

إن الوطن العربي يشهد الآن تمزقاً جغرافياً ووجدانياً وسياسياً غير مسبوق، مما يعني أن العودة باليمن إلى مرحلة "التشطير" ستنتقل عدواها إلى بعض الدول المجاورة والبعيدة، فهناك حالياً هذا الوباء المذهبي الذي بثت إيران جرثومته اللعينة في العديد من الدول العربية "العراق وسورية ولبنان واليمن"... نعم اليمن لأن ارتباطات الحوثيين لا علاقة لها بالتشيع النظيف والصادق والجميل ولا بالمذهب الزيدي الذي يتآخى تآخياً فكرياً مع المذاهب الأربعة السنية الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي.

وعليه فإن العودة إلى "التشطير" الآن، بينما يعيش اليمن وتعيش بعض الدول العربية هذه الصراعات المذهبية والطائفية المصدرة من إيران الفارسية، ستكون جريمة تاريخية، لا بل إنها ستكون أم الجرائم، وهنا فإنه بإمكان الأشقاء الجنوبيين أن يتحلوا بالمزيد من الصبر والتحمل، وإلى أن يتخلص بلدهم الكبير من محنته الحالية، ويصبح بإمكانه الأخذ بأفضل الصيغ "الفدرالية" التي تحقق لهم الشعور بأن لهم هويتهم الخاصة، وأن لهم كيانهم الخاص، وإن في إطار واسع كبير... وواعد هو اليمن بحدود ما بعد عام 1990.