توفي قبل أسبوعين عن عمر يناهز ٥٩ عاماً أحد أساطير الكرة الإنكليزية سيريل ريجيس. وقد احتفت به الأوساط الرياضية الإنكليزية خير احتفاء، وذكرته بما يستحقه. كان ريجيس لاعباً متميزاً من الناحية الفنية، إلا أن الإضافة التي أضافها للساحة الكروية كانت أكبر من مجرد لعب متميز . كانت الملاعب الإنكليزية في حقبة السبعينيات تضج بالعنصرية، القبيحة، وكان سب وشتم السود وغير الإنكليز في الملاعب سلوكاً سائداً ومقبولاً، بل يمكن أن يطلق عليه أنه كان من ضمن "عاداتنا وتقاليدنا" كما يقال، مع أنه كان هناك بالكاد لاعبون سود أو "ملونون"، إن شئت. كان ريجيس حينها يكافح الهتافات العنصرية والشتائم الوقحة العرقية دون رادع لها. وظل صامداً حتى صار الوضع الطبيعي أن يكون هناك لاعبون من غير البيض، أو من ديانات أخرى، فعلى سبيل المثال هناك حالياً أكثر من ٥٠ لاعباً أساسياً في البريمير ليغ من المسلمين من ١٨ دولة، وأصبح وجود اللاعبين السود والآسيويين أمراً طبيعياً، بل أصبحت العبارات العنصرية أمراً مجرماً وممنوعاً، بل صار اللاعب الذي يتلفظ على غيره بألفاظ عنصرية معرضاً للعقاب. لم يحدث ذلك مصادفة، بل جاء في سياق وتطور ملحوظ، كان للاعبين مثل ريجيس دور محوري فيه. هل قضى ذلك على العنصرية؟ بالطبع لا، ولكنه على الأقل ساهم في التخفيف منها.

قال لي أستاذي روبرت إيفري، أثناء دراستي الماجستير بجامعة بتسبرغ الأميركية، إن الرياضة كانت عاملاً مهماً في تغيير المزاج العام تجاه العنصرية. إلا أنه ركز أكثر على لعبة كرة السلة، التي كان يلعبها في شبابه ويتابعها بعد أن شاب شعره. حيث إن الأندية الرياضية في أميركا شركات خاصة، تسعى للربح بالدرجة الأولى، وكان أن استعانت بعض الفرق بلاعبين أمريكان من المبدعين الذين رفعوا من مستوى اللعبة إلى حد كبير، ونتج عن ذلك أن تلك الأندية صارت تتصدر مسابقات كرة السلة. بطبيعة الحال الأندية التي كانت مصرة على الالتزام "بعاداتنا وتقاليدنا" العنصرية رفضت ضم السود لصفوفها من منطلقات عنصرية بحتة، فماذا كانت النتيجة؟ بدأت الفرق البيضاء تخسر وتتراجع في الترتيب، وبالتالي تخسر جمهورها، وتخسر أرباحها حتى بدأت النغمة العنصرية تتراجع، وصارت القاعدة أن أغلب نجوم كرة السلة من السود، وتحولوا إلى شخصيات مجتمعية مقبولة، كما صاروا الأكثر أجراً. وأتذكر جيداً أن اللاعب الفذ جوليوس إيرفنغ أو د. جاي لاعب فيلادلفيا "السفنتي سيكسرز" كان يطلق عليه "رجل الستة ملايين دولار"، إشارة إلى الأجر الذي كان يتقاضاه في السبعينيات وكان يعد مبلغاً عالياً جداً حينذاك. لم تتبق جائزة أو لقب إلا وحاز عليه د. جاي، بل يقال إنه أسهم بشكل بارز في شرعنة الاتحاد الوطني لكرة السلة.

Ad

يحدث ذلك عادة خارج الإطار المؤسسي، ولكنه يتم بالدفع الذاتي للأمور، مع أن الرياضة لعبت وتلعب دوماً دوراً مهماً في تخفيف التوتر، ليس في كل الأحوال والأمثال، ولكنها هي والفن والموسيقى لعبت دوراً مهماً في التخفيف من النزعات المتطرفة عنصرياً، وقبول المجتمع بالتدريج للفئات المهمشة وضحايا التمييز. إلا أن حكاية الرياضة والعنصرية لم تنته عند هذا الحد، فهناك ما هو أكثر فعالية في كيفية استخدام الرياضة في تفكيك العنصرية، كما سنرى.