على بُعد مقالتين من هذه المقالة كتبتُ "صوفيا الجميلة"، وكنتُ أطري فيها الجهد الشبابي الكويتي في مشروع مكتبة مشرعة على الكتاب والقراءة والتواصل مع الجمهور والندوات وتواقيع الكتب. ويومها قلت إن مَن بات يقود عجلة النشاط الإبداعي والثقافي الأهم هم الشباب، بمبادراتهم الفكرية والإبداعية والثقافية.

واليوم أكتب عن مؤسسة "نقاط للتثقيف الإبداعي"، التي تأسست عام 2009، بفكر وجهد مجموعة متميزة من الشباب الكويتي، وعلى رأسهم حصة الحميضي، التي قالت في لقاء صحافي أجرته معها جريدة "القبس"، في 18 نوفمبر 2016، إن "نقاط للتثقيف الإبداعي مؤسسة غير ربحية، قام فريق مستنير من المفكرين من ذوي الرؤى في الكويت بتأسيسها عام 2009، حيث دفعهم الشغف الكبير والطموح إلى تأجيج الحوار الإبداعي في المنطقة، وفتح آفاق جديدة للابتكار الثقافي، وتهدف إلى تحديد قضايا التنمية الإبداعية في العالم العربي ومعالجتها وحلها".

Ad

"نقاط"، ومنذ انطلاق أعمالها، اتخذت لنفسها درباً يجمع بين خبرة النجاح، التي ينطوي عليها المتمرسون في أعمال فكرية ومشاريع تنموية واقتصادية شخصية لافتة، وبين الوصل مع الشباب الكويتي المتحمس والمتطلع إلى أهداف ومشاريع شخصية، وهو بحاجة لمن ينفخ الأمل بين ضلوعه، ويدفع بخطواته لاتخاذ قراره بالاتجاه الصحيح.

"نقاط" عقدت نشاطها الأخير بعنوان "منتدى الثروة البشرية"، بين جنبات مجمع الشيخ جابر الأحمد الثقافي، وتبدو الدلالة واضحة في التعاون بين "نقاط" والمجمع، خصوصا أن كل مَن زار أنشطة الاحتفالية أدرك بشكل واضح مدى الجهد المبذول من جهة، وكذلك جدة وجرأة الطرح، وأخيراً، وربما هذا هو الأهم؛ أن جميع الأنشطة تنعقد بأيدي شباب كويتيين، بالتعاون مع خبرات عربية وأجنبية مهمة، تصبُّ في محصلتها في خدمة الفكر والإبداع والحماس الشبابي في الكويت.

النشاط امتد يومي الأربعاء والخميس (24 و25 الجاري)، وسعدت بحضور محاضرتين يوم الخميس لكل من: محمد جعفر، الرئيس التنفيذي لشركة فيث كابتل، بعنوان "الاستثمار في الشركات الصغيرة والمتوسطة"، وكذلك محاضرة فرح الحميضي، بعنوان "فتح أقفال سلسلة الإنتاج الإبداعي". وكم بدا لافتاً لي نبرة الأمل والتفاؤل التي تكلم بها المحاضران، وكلاهما كان شاباً، ويحمل من الصدق والتواضع والخبرة الكثير. وكان واضحاً أن هناك خيوطاً كثيرة وتجاوباً ممتدين بين المحاضرين وجمهور الحضور، وأن روحاً بلغة مشتركة كانت تملأ المكان، بما يجعل من النقاش بعد المحاضرة إضافة حقيقية للمحاضرة نفسها. بالإضافة إلى أربع حلقات نقاشية موسعة، حوى المنتدى الأخير لمؤسسة نقاط قرابة 16 محاضرة، وبمختلف قضايا الإبداع والفكر والتنمية البشرية والفنون، وبما يظهر أن خلف هذا الجهد الكبير فكر وإدارة واعية ومدركة لأهمية ما تقدمه للفرد والمجتمع في الكويت. أعود لحصة الحميضي، بوصفها العقل المحرك لـ"نقاط"، حيث قناعتها بقولها بلقائها الصحافي: "هناك العديد من الصعوبات التي تواجهنا، أولاها: وجهة نظر المجتمع الحالية تجاه بعض الفنون، وهي من المشكلات الكبيرة التي لابد من تغييرها، علماً بأن تغيير هذه النظرة لا يمكن أن يتحقق إلا إذا بدأنا بالتغيير على المستوى الشخصي، أي بأنفسنا. ومن المعوقات أيضاً؛ مدى القدرة على تطوير الكفاءات والمواهب، فالجامعات والمدارس الموجودة هنا غير قادرة على توفير القاعدة المثالية للمهتمين بأن يصبحوا فنانين مميزين، أو منحهم التنوع في الجانب النظري من الفن. تعليم الفن موجود على أرض الواقع، لكننا لا نرى أي نتائج".

إن الجهد الفكري والإبداعي والثقافي والاجتماعي اللافت الذي تنهض به مؤسسة "نقاط" غير الربحية يتصف بالاستمرارية، وهذه هي الصفة الأهم لعمل أي مؤسسة، فما إن تفرغ المؤسسة من منتدى، حتى تبدأ التفكير في نشاط آخر، بل إن على جدولها أنشطة تغطي سنة بأكملها.

لـ"نقاط"، ولحصة الحميضي وزملائها كل التقدير، ولهم منا انتظار الجهد الشبابي الكويتي الأجمل.