مشهد (1): في مطلع عام 2014، قبل أربعة أعوام بالتمام، كنت أجلس مع ابني الحبيب طلال في مدينة "ناشفل" بولاية تينسي الأميركية، قائلاً: "ابني الحبيب أنت لم تعد صغيراً، وأنت أكبر إخوتك، يجب أن تعرف ما يدور لأننا مقبلون على مرحلة صعبة قد تزلزل أركان أسرتنا السعيدة وبيتنا الجميل، ابني الحبيب لقد وقعنا ضحية عملية نصب كبيرة من قبل شياطين المال..."، لا أعلم من هم لكنهم حتماً هم شياطين وساعدهم من هم على شاكلتهم، لقد زوّروا واختلسوا ملايين الأموال من البنوك باسم شركتنا، مع تزوير توقيعاتنا أنا ووالدتك الطيبة الحبية، واستغلال عدم وجودي في البلاد، فاعلم ابني الحبيب أن الموقف صعب، وأدعو الله أن ينجينا منها على خير، أقول هذه الكلمات وقلبي يتفطر على ولدي الذي يتلقى أول صفعة قوية من الحياة.

مشهد (2): أعود إلى الكويت أسلك أقصر الطرق، أحاول أن أجلس مع أصحاب المؤسسة المالية الكبيرة أملاً في وجود حل للمشكلة، لنتوصل سوياً إلى هؤلاء الشياطين الذين كانوا أمامي بكل جبروت السرقة والكذب والتدليس والتزوير، لأعلم يقيناً أن الطريق طويل وأن الابتلاء شديد، فاللهم أعني على التحمل، ساعتها نظرت إلى حيطان تلك المؤسسة، وقلت من يضحك أخيراً يضحك كثيراً، فلا تتعجل فلم ينته الدرس يا غبي.

Ad

مشهد (3): أعوام من الدموع تبلل القلب قبل العين، أبحث في هاتفي عمن أتصل به، فلا أجد؛ بل إن البعض أصبح لا يرد على اتصالاتي ويتهرب مني، المشكلات والشروخ أصبحت تظهر في محيطي الاجتماعي، والمقربون مني يسألونني: ما بك فأكتفي بالصمت، في لحظات كثيرة أدعي الضحك والسعادة أمام الوجوه التي تحيط بي، وفي القلب بركان من الألم لا يعلم قدره إلا الله، مع انحسار الناس شيئاً فشيئاً، كان اليقين يزداد شيئاً فشيئاً، وفي لحظة خلوة نادرة، فهمت جيداً رسالة قوية غيرت مجرى حياتي، فالأسباب والظروف تنقطع من حولي، لألجأ فقط إلى مسبب الأسباب ورب الأرباب، فكان هذا هو الدرس، وكان هذا هو الثواب، فاللهم ثبت قلبي على التعلق بك وبمحبتك.

مشهد (4): أنزل على عتبات سلم المحكمة بعد استلامي تقرير الأدلة الجنائية المرسل إلى نيابة الأموال والخاص بالتزوير مسرعاً من شدة الفرح متمتماً بكلمات الحمد والشكر للمولى عز وجل، ومردداً "الحمد لله بعد أربع سنوات... الآن حصحص الحق"، وفي اليوم التالي أجلس مع أخي المحامي "خالد" أمام قاعة المرافعات، ولساني يلهج بالدعاء اللهم اسبقني إلى قلوبهم، وساعدني في إيصال مظلمتي ورسالتي لكل الحاضرين.

مشهد (5): يفسح لي سيادة القاضي المجال للحديث عن مظلمتي، فيُجري الله على لساني فيضاً من الكلمات التي لم أكن أتوقع أن تعبر عن كل البراكين التي تغلي في داخلي؛ ولكن الحمد والشكر للقادر المنان الذي أعانني ووفقني وأراحني. أقول: سيادة القاضي أربعة أعوام كنت فيها ما بين مخفر ونيابة ومحكمة، على جرم لم أرتكبه، وعلى قروض وأموال لم أعلم عنها شيئاً، وعلى توقيع لم تخطه يداي، ولم أكن فيها حتى في البلاد، أربعة أعوام من العذاب والصبر والبكاء، أربعة أعوام من الانكسار والحصار والعزلة عن الصحبة والأهل والتواصل مع الناس، والتخلي عن الأحلام والطموحات، أربعة أعوام لم أقضها في سجون الداخلية، إنما قضيتها في سجون الحياة المؤلمة التي جعلت الأرض تضيق عليّ بما رحبت، فلم أجد ملجأ إلا إلى الله، وإلى الله كان المشتكى، وبه كان التوفيق والنصرة، والحمد لله، بعدها وقف الحضور فقلت ربي سبقني لقلوبهم نعم "الآن حصحص الحق".

رسالة خاصة لأهل بيتي وأسرتي: بعد أربعة أعوام من العذاب والألم، فتح الله لنا صفحةً بيضاء جديدة، تشرق الشمس فيها على بيتنا وتعود الحياة لنا بصفوها وحلوها، أسرتي الكريمة عذراً على هذه المرحلة، فلقد مرت بعض اللحظات كدت أضيع فيها من نفسي، وأنتم أغلى علي من نفسي، فاسمحوا لي أن أعوضكم على صبركم وتحملكم معي، وبإذن الله القادم أجمل.

رسالة لأهل ديرة الخير: شكراً بلدي العظيم أرض الخير، شكراً قضاءنا الشامخ، "شكراً" تعانق السماء لأـخوي المحاميين ثامر ومبارك وجميع العاملين في مكتبهم، شكراً لكل أهلي وأصدقائي وزملائي الذين ساندوني ووقفوا بجانبي ولكل من دعاء لنا في ظهر الغيب.

رسالة إلى شياطين المال: بالنسبة إليكم لم ولن ينتهي الدرس؛ ولكني أعدكم بالمزيد من الدروس خلال الفترة القادمة، اتقوا الله فينا، فإن أصبحتم كباراً، فانظروا كم بيتاً هدمتم، وكم أسرةً أفقرتم، وكم ذنباً اقترفتم، وكم خطأً ارتكبتم، وكم انهياراً في اقتصادنا أحدثتم، يارب لك الحمد كما ينبغي لجلالك وعظيم شانك، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا أكرم الأكرمين، ويا أعدل الحاكمين.