من بين الأساطير التي يتناقلها أهالي الإسكندرية أن ثمة عمارة في حي رشدي بالإسكندرية، بدأ تدشينها في عام 1961، لكنها ما زالت تحت الإنشاء حتى الآن، وأغلقت واجهتها بالطوب الأحمر، لأن أحداً لا يريد السكن فيها، ويخشى الاقتراب منها، بحجة أنها مبنية فوق مقابر ضحايا حالات قتل غامضة، و{مسكونة بالأشباح»، الأمر الذي دعا بعض الشباب إلى دخولها ليلاً، من أجل تعاطي المخدرات، وجعل الروايات المرعبة تتعدد حولها!

عن «عمارة رشدي» كتب محمد الأحمدي، في أول تجربة له في مجال الكتابة السينمائية، قصة ما أطلق عليه «أول فيلم رعب كوميدي»، فيما صاغ السيناريو والحوار وائل يوسف، وأخرجه حسن السيد، الذي اختار لبطولته عدداً من الوجوه المغمورة. تتناول أحداثه قصة الفتاة «فلة» (نرمين ماهر)، التي تزوّجت الشاب «سلطان» (مدحت تيخا)، ونظراً إلى ارتفاع أسعار الشقق وقعا في غواية «فولي» (أيمن قنديل) السمسار الذي ابتاع لهما شقة بسعر بخس في إحدى العمارات السكنية بالإسكندرية، ليواجها، وهو ما تكرر مع الشاب «بيانكا» (حسن عيد) وعروسه «داليا» (إنجي خطاب)، عدداً من المفارقات المثيرة، التي تجمع بين الرعب والكوميديا، ويكتشف هؤلاء أن العمارة مسكونة بالعفاريت!

Ad

يمثِّل الفيلم نوعية جديدة على السينما المصرية، بعيداً عن أفلام الرعب في شكلها التقليدي، مثل: «الأنس والجن، وأنياب، والتعويذة، وكامب، ووردة، وعزازيل»... وغيرها. لكن الموازنة الفقيرة التي صارت سمة لأفلام الرعب المصرية، ووصمتها بالطابع الكوميدي، انعكست سلباً على التجربة فجعلت منها نسخة من «أفلام المقاولات»، التي اجتاحت السينما المصرية في ثمانينيات القرن الماضي، وعانت ضعفاً في المستوى الفني، وهزالاً على صعيد الحدث الدرامي. فالقضية التي كان ينبغي أن تخضع لبحث جاد وقعت في فخ «التهريج»، ولسبب لا يعلمه سوى الله أقحم المخرج أغنية بعنوان «اللي يحضر العفريت» للمطرب سمسم شهاب، وغرق الفيلم في طوفان من المواقف الساذجة والمبتذلة، كظهور القتلى، وتحرش الموتى، وعودة «عزيزة المحروقة» (نادية العراقي)، التي تُطالب «سلطان» طبيب التجميل في مستشقى كرموز بإخضاعها لعملية تجميل تصبح بعدها هيفاء وهبي!

يزخر فيلم «عمارة رشدي» بكثير من العبث، فضلاً عن الخدع الركيكة، وضعف المؤثرات الصوتية والبصرية، التي تُعد من أهم عوامل نجاح هذه النوعية من الأفلام، وبدلاً من أن يصبح عملاً اجتماعياً، في قالب رعب كوميدي، تحوّل إلى نسخة مشوهة من مغامرات «توم وجيري»، الأمر الذي كان سبباً رئيساً في انصراف الجمهور عنه، بعد أيام من طرحه في الصالات، وتحقيق إيرادات لم تتجاوز الثلاثمئة ألف جنيه، ما اضطر مديريها إلى رفع نسخه، وإعلان فشله!

المفارقة أن الشح الإنتاجي للفيلم كان سبباً في دعم، واكتشاف، مجموعة من الوجوه الجديدة، مثل: مدحت تيخا، وحسن عيد، وإنجي خطاب، وسمر جابر، فيما حمل الفيلم بذرة تجربة مثيرة وغير مسبوقة، في حال تم استثمار فكرته التي لا تخلو من جاذبية وتشويق، بالإضافة إلى إعادة صياغة أحداثه، ومواقفه، واختيار مغاير لأبطاله، بحيث تتجلى روح الرعب بصورة حقيقية، وتتسم أحداثه بإقناع ومصداقية. فالصياغة الكوميدية موجودة، والسخرية اللاذعة متوافرة، وفن «البارودي» حاضر، لكن النتيجة كانت كارثية، بفعل ضيق الأفق ومحدودية الرؤية، فضلاً عن سطحية المعالجة وانحراف المسار، وغلبة السطحية، والابتذال!

أزمة فيلم «عمارة رشدي» في فقره الإنتاجي (شركة «إن جي انترناشيونال»)، والجهل بكيفية التطرق إلى الموضوعات الميتافيزيقية، وضياع الخط الفاصل بين الخرافة والأسطورة، والغلظة في كتابة الكوميديا، فالرغبة في تأصيل ظاهرة النفور الناجم من السكن في عمارة الإسكندرية، والخشية من الاقتراب منها، قادا الفيلم إلى الحديث عن «السحر الأسود»، والإفراط في تقديم جرعة كبيرة من العنف والقتل والدم، وانتهى به إلى تأكيد الخرافة بدلاً من نفيها، والترويج للأسطورة عوضاً عن دحضها، ومن ثم أصبحت «عمارة رشدي»، التي تسكنها العفاريت، بعدما بنيت على رفات الضحايا وارتفعت فوق أنقاض الجماجم، حقيقة وواقعاً بدلاً من أن تصبح خدعة وأكذوبة، وهو الخطأ الفادح الذي ارتكبه أصحاب الفيلم!