تداولت الأخبار المحلية والعالمية خبر تدريب الأطفال والنساء الحوثيات على حمل السلاح تمهيدا لزجهن في أتون الحرب الأهلية المشتعلة في اليمن، وشاهدنا في التلفاز أطفالا ونساء تدربوا على إطلاق النار، فالنساء ملتحفات بالسواد وبالكاد تظهر فتحات أعينهن لوجود ستارة فوق فتحة العين وفوق النقاب.

لا أعرف كيف انساقت المرأة اليمنية أو أي امرأة أخرى، وبعضهن ربما كنّ حوامل، إلى لعبة الحروب التي برع فيها الرجال منذ الأزل، فالتراجيديا التي صورها هومر Homer في الإلياذة والأوديسا تصور لنا ذلك الصراع الدموي لدى الإغريق أنفسهم، وذلك فيما يعرف بحروب طروادة، وعندما أراد الإنسان أن يقحم النساء في الحروب ابتدع آلهة للحرب وجعلها من الإناث، فعشتار البابلية والأكدية هي آلهة الحب والخصوبة والحرب، كذلك إينانا Inanna الآلهة السومرية كانت آلهة الحب والجمال والخصوبة والحرب والعدالة، وكانت تمثل قوة سياسية خطيرة عبدها البابليون والأكديون والآشوريون، وكانت تعرف بملكة السماء ولها معبد شهير في عاصمة السومريين القديمة "Urk" أورك، ولقد ذكرتها "التوراة" باسم Asherah أشيره، ومنها اشتق اسم العشيرة والقبيلة، وكانت من أشد أعداء أنبياء بني إسرائيل، وكانت آلهة الحب والحكمة والحرفة والحرب كذلك Minerva منيرفا آلهة الرومان، آلهة للحروب الاستراتيجية، وأثينا الإغريقية Athena كانت آلهة الحكمة والانتصارات العسكرية، وهي ابنة إله السماء الشهير زيوس zeus، ومن أجل هذه الآلهة جميعها كان الرجال يذهبون إلى الحروب ويفني بعضهم بعضا.

Ad

ولعلني أرى أن ملكة اليمن العريقة "بلقيس" كانت أكثر حكمة من تلك الآلهة لأنها لاحظت وأدركت أن "الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً". (النمل- 34)، وهذه الملكة تحذر شعبها من حكم الملوك، هي أكثر ديمقراطية من أي ملك ذكره التاريخ، حيث عادت إلى شعبها تسأله المشورة، وذلك بعد تهديد الملك سليمان لعرشها الأنثوي "قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ". (النمل- 32).

فالملك سليمان كان يهدد عرش الملكة بلقيس، والإسرائليون لا يعترفون بتمليك النساء ودونوا منذ 3000 سنة أقدم القوانين والتشريعات التي باشرت بإذلال النساء كقوانين الميراث والأحوال الشخصية، وتسلم غولدا مائير للحكم في إسرائيل كان استثناء للقاعدة، وقد عارضت المسيحية هذا الإذلال للأنثى وأعادت النساء إلى العرش الملكي كما نشاهد حاليا في كل من إنكلترا وهولندا وبلجيكا، وهي أكثر الدول تقدماً، لذلك نلاحظ أن هدهد الملك سليمان استغرب من وجود امرأة فوق العرش اليمني "إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ". (النمل- 43).

والتوراة تذكر أن الملكة بلقيس قد خضعت لعقيدة الملك سليمان، وهذه القصة تؤكد أن العرب كانوا يملّكون المرأة إذا كانت مؤهلة لذلك، وتؤكد أيضاً أن المجتمعات العربية القديمة كانت أمومية المعارف والتوجه.

هذا الموضوع ليس عن تمليك النساء من عدمه إنما هو عن جرّ النساء والأطفال للحروب المفصلة على مقاييس الرجال ربما شاركت نساء في الحروب الإسلامية ولكنهن لم يشتركن في القتال، إنما ليداوين الجرحى ويسقين العطشى ويحملن الأربطة والجبائر ولم يحصلن على أي غنائم.

اليمن التعيس لا تحكمه بلقيس، ويحكمه عبدالملك الحوثي وحسن نصرالله، والقتال على أشده حتى لو كان الثمن إفناء بعضهم، وتدمير مدنهم وحضارتهم، وزج الأطفال والمرأة اليمنية في تلك الحروب فكرة مأساوية ربما جاءت بفتوى دينية وسوف تدفع المرأة اليمنية ثمنا باهظا، فهي ستقتل أو تُقتل ويشرد أطفالها، وبعد أن يثمل الرجال برائحة الدم ويحصلوا على السلطة المبتغاة ستعود تلك المرأة المنقبة بفتوى إلى المطبخ وغسل الصحون، ولن تشارك في السلطة أو جني الغنائم، ستعود خالية الوفاض، خرجت من المنزل بفتوى من رجل الدين الذي أخرجها من بيتها وسيخبرها رجل الدين أيضا أن مكانها الطبيعي هو المنزل، ولا مكان لها في الميادين العامة أو الوظائف النافذة المخصصة لألهة الحروب من الرجال.

فعرابو الحروب لا يعترفون بسلطة النساء، فلم نشاهد أي امرأة برزت بجانب حسن نصرالله أو عبدالملك الحوثي أو أي من ميليشيات العراق وسورية أو ميليشيات "داعش" والقاعدة، كما لم نشاهد امرأة برزت بجانب المرشد الخميني أو خامينئي في إيران اللاهوتية، ولا امرأة برزت في الـ65 حشدا في العراق.

ولعل المرأة الحوثية في اليمن قد شاهدت النساء الإيرانيات الملتفعات بالسواد، وهن جالسات كالأرانب تحت قدمي المرشد خامنئي وهو يحاضر فيهن، ويقرر لهن ماذا يلبسن، وكيف يعشن، وكيف يفكرن ويحافظن على منجزات الثورة الإيرانية، ويحذرهن من غواية الرجال ونشر الفتنة في المجتمعات الإسلامية.

المجتمع اليمني يتفكك وينهار بفعل حكمة الرجال، تماما كما انهار المجتمعان العراقي والسوري من قبل، والسبب هو الحروب الأهلية التي أذكاها الرجال، ودفع ثمنها الرجال والنساء والأطفال، فالرجال لا يرغبون في التفاوض من أجل السلام، والمهم لديهم قتل أعدائهم.

لننظر ونرَ ماذا فعلت ميليشيات القاعدة و"داعش" والميليشيات الشيعية في كل من لبنان وسورية والعراق واليمن، وكذلك الميليشيات الكردية، كل هذه الميليشيات دمرت مدن الشرق الأوسط التي ولدت فيها الحضارات ونشأت فيها الزراعة وظهرت فيها الكتابة، لننظر إلى تلك المدن التاريخية التي تحولت إلى أنقاض وتشرد سكانها في أصقاع الأرض ويوميا تطل علينا هياكل عظمية لرجال ونساء وأطفال قضوا تحت القصف الجوي، وتكالبت علينا دول عظمى تتداول النفوذ وتقسمنا إلى أشتات، وهناك عقول هاجرت ولن تعود إلى هذه المنطقة المكلومة.

في خضم هذه الحرب المجنونة تذكرت المرأة الإفريقية ليما غبوي lemah gbowee التي حصلت على جائزة نوبل للسلام في أكتوبر 2011، هذه المرأة الليبيرية والناشطة الحقوقية التي ساهمت في إيقاف الحرب الأهلية الثانية في ليبيريا عام 2003، حرب أنهكت هذه الدولة الفقيرة واحتارت النساء آنذاك فيما يفعله الرجال ببعضهم، كيف توقف النساء هذه الحرب المجنونة، وهذه الناشطة الحقوقية قادت حركة سلمية اسمها "حركة النساء الليبيريات لصنع السلام" عام 2011.

ليما حثت النساء على حجب الممارسة الجنسية عن الرجال لكي يعوداو إلى رشدهم ويتوقفوا عن سفك الدماء، كذلك فعلت النساء في جوبا جنوب السودان، حيث دعت مجموعة من الناشطات هناك جميع نساء هذا البلد إلى الإحجام عن ممارسة الجنس مع أزواجهن من أجل دفعهم إلى إنهاء النزاع المستمر الذي حصد آلاف القتلة وشرد نحو مليوني شخص.

ونجحت غبوي في إيقاف الحرب في ليبيريا وحصلت على جائزة نوبل للسلام عام 2011 بالاشتراك مع إيلين جونسون سيراليف رئيسة جمهورية ليبيريا وتوكل كرمان اليمنية لنضالها السلمي لحماية المرأة وحقها في المشاركة في صنع السلام، وتوكل كرمان اليمنية اختفت ولم نعد نسمع لها أي صوت لوقف هذه الحرب المجنونة في اليمن.

ولابد أن نذكر هنا أن "داعش" في بحثه المجنون عن السلطة أدرك أهمية الممارسة الجنسية لدى الرجل، لذلك فبرك فتوى "جهاد النكاح" وبعث المراهقات من كل البلدان الإسلامية إلى جبهات القتال لإمتاع الرجال، واستغل النساء كي لا تتوقف الحرب بسبب الحاجة لإشباع الغريزة والعودة إلى دفء العائلة، "داعش" في فعله هذا أتى فعلا مثيرا للاشمئزاز وتاجر في أجساد المراهقات، ولعل جريمته الكبرى أنه صور لتلك الفتيات المراهقات أن ما يفعلنه لإرضاء المقاتلين في صفوفه إنما هو عمل يرضي الله، والفتوى أكدت أنه نوع من أنواع الجهاد، وسيبقى هذا الفعل المشين سبة في جبين الأمة الإسلامية.

فتوى "جهاد النكاح" هي بلا جدال فتوى شيطانية، والملاحظ أن "داعش" فعل عكس ما فعلته النساء الإفريقيات، ليما غبوي التي بدأت حركتها بلا فتوى، وقامت بالصلاة والغناء في سوق السمك، وكانت تردد "نصلي ليعود الشيطان إلى الجحيم" والحرب بالنسبة لها ليست "جهاد نكاح" كما هي لـ"داعش" إنما هي شيطان ويجب أن يعود الشيطان إلى مكانه في الجحيم، وقفت الحرب في إفريقيا وفازت ليما وغريزة الأمومة في حب السلام.

الآن وبعد أن عاصرنا ويلات هذه الحروب المجنونة نحتاج الى عملاق بحجم الكاتب الإغريقي هومر Homer ليسجل لنا أوديسا وإلياذة تراجيديا الحروب العربية العربية، فالأطفال جياع في صعدة وأنحاء اليمن والحوثي يطلق صواريخ بالستية ثمن الواحد منها 68000 دولار، وحزب الله يتاجر بالمخدرات والسلاح والطائفية، واللاهوت الإيراني يزود جميع الأطراف ومن ضمنهم "داعش" بالسلاح والصورايخ وبلافتات كتب عليها الموت لإسرائيل وأميركا، والكل يجاهد من أجل الحصول على السلطة.