مدينة لا تتوقف احتفالاتها بالأعياد والمناسبات، فالجندولات المزينة بالورود والأزاهير تخطر كعذارى الأساطير فوق الممرات المائية، التي تتخلل المدينة... الغناء والرقص في كل ميدان وشارع، وبالذات ميدان "سان ماركو" المحاذي لضفة الأنهار المتفرعة فيها!

***

Ad

• قرأت عن تاريخ فينيسيا كتاباً يتضمن هذه الحكاية التي وقعت عام 1334، حين كان يحكمها مجلس شيوخ يتكون من أربعين من النبلاء، يرأسهم من يُلقب بـ"الدوج". وقد اخترت لكم حكايتنا اليوم، والتي تتعلق بهذا "الدوج" الذي بلغ الستين من عمره، وكانت فينيسيا كلها تحتفل بيوم زفافه من أنجولينا جارسيا، وهي شابة في العشرين من عمرها، وقد عُرفت بجمالها وعفتها وشرفها. وبعد الزواج اشتُهرت بإخلاصها لزوجها المسن.

• كان "الدوج" يقيم حفلاته في قصره برصانة واحتشام؛ لا خمر ولا رقص، فهو يحارب الخنا والفجور وكل أنواع الموبقات في فينيسيا، والناس تجله وتقدره لأنه كان فارساً شجاعاً في الحرب ضد جنوا، وكثيراً ما كان يكرر:

- انتصرت في الحرب ضد جنوا، وأنا الآن في ميدان حرب أخرى لقتال خنازير الفجور والخطيئة، في مدينة فينيسيا.

• هذا "الدوج" البطل كان مكروهاً من كل شيوخ المجلس، الذين يسعون وراء الثراء الفاحش بإشاعة الفساد الذي يتصدى له هو بكل عنف، فسلطوا شاباً مستهتراً للتحرش بزوجته، لكي يشوهوا سمعتها، وفي أحد الأيام كانت تسير في الطريق العام، ففاجأها ذلك الشاب:

- أيتها الرائعة الجمال، وخطيرة الأنوثة، لماذا تدفنين نفسك في هذا القبر الموحش؟

فانطلق أحد الحراس ليرد عليه بلكمات موجعة، مما أثار ضجة كبيرة في المكان، وهذا ما كان يسعى إليه خصوم "الدوج"، الذي وجد ذات يوم في مجلسه الرسمي -بعد ذلك الحادث- ورقة أمامه مكتوباً عليها:

"عجزك جعل زوجتك الشابة تبحث عن غيرك"... فما إن قرأها حتى قال:

- أيها السادة أعضاء المجلس، اسمحوا لي أن أوقف أعمالنا اليوم، وأن أشكل لجنة من ثلاثة منكم؛ للتحقيق واكتشاف من وضع هذه الورقة أمام مكتبي.

***

• وسرعان ما انتشرت الفضيحة في كل بيوت فينيسيا وشوارعها وحاناتها! ورغم ذلك أصدرت اللجنة حكمها على الساعي الذي وضع الورقة أمام مكتب "الدوج" بالفصل من المجلس، وعلى الشاب المستهتر بالسجن ثلاثة أشهر!

• فثارت ثائرة جوليو بارابارو، قائد الأسطول وابن عم "الدوج"، الذي اعتبر هذه مؤامرة يقودها أعضاء مجلس الشيوخ ضد ابن عمه، فوضع خطة سرية للقضاء عليهم جميعاً، لكن تلك الخطة سُربت عن طريق زوجة أحد الضباط، التي ثرثرت لإحدى صديقاتها بما أسرّ به لها زوجها، فانتشر خبر الخطة!

***

• وفي الوقت المحدد لتنفيذ الخطة التي استعد لها شيوخ المجلس، دقت أجراس الكاتدرائية، واتجه جميع أعضاء المجلس بملابسهم الرسمية نحوها، وجيء بـ"الدوج" مخفوراً، فصرخ فيهم:

-ما هذا الذي يحدث؟

فأحضروا له ابن عمه قائد الأسطول مكتوفاً يصيح:

- لماذا تفعلون بنا ذلك؟

فيجيبه أحدهم:

-لن نقتلك يا "دوج" كما كنت تنوي بنا، لكننا سنحاكمك محاكمة عادلة.

***

• ولحظة تنفيذ الإعدام فيه سأل:

-أين زوجتي؟

وفجأة التفت الناس في الميدان جميعاً نحو النافذة العليا للكاتدرائية، ليشهدوا أجمل وأشرف فتيات فينيسيا تصرخ:

-لبيك يا زوجي النبيل.

ثم تلقي بنفسها على الأرض الصلبة جثة هامدة!