أكدت محكمة التمييز الإدارية في مبدأ قضائي بارز جواز الطعن على القرارات التي تصدرها لجنة الاعتراضات، التي تنظر الاعتراضات التي تقدم على قرارات لجنة التثمين أمام القضاء، إذا خرجت اللجنة عن الوظيفة التي قررها لها القانون، وتصبح قرارات غير نهائية.

وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها، إن القانون منح حق الاعتراض على قرارات لجنة التثمين لملاك العقارات وأصحاب الحقوق عليها فقط، دون أن يسمح لوزارة المالية بالحق في الطعن على قرارات لجنة التثمين، لأنها غير صاحبة صفة في الطعن، وانتهت «التمييز» الى إلغاء قرار لجنة الاعتراض، وما ترتب عليه من آثار، وهو عودة قرار التثمين لأرض المدعين بمنطقة جليب الشيوخ بواقع 403 آلاف دينار.

Ad

وقائع القضية

وتتحصل وقائع القضية، التي أقامها مواطنان يمتلكان أرضا في منطقة جليب الشيوخ ضد وزارة المالية بطلب التعويض عما لحق بهما، وقررا أنهما يمتلكان عقارا في جليب الشيوخ بمساحة 400 متر، وفوجئا بصدور القرار رقم 4 لسنة 2008 بنزع ملكيته للمنفعة العامة، وصدر قرار لجنة التثمين بإدارة نزع الملكية بتقدير التعويض المستحق لهما عن نزع الملكية بمبلغ 403433 دينارا.

واعترض المواطنان على هذا التقدير أمام لجنة الاعتراضات، وقيد اعتراضهما برقم 136/2008 ونظر بجلسة 14/1/2009، وقررت اللجنة رفضه، وفي 24/3/2009 فوجئا بإيداع مبلغ 220278 دينارا في حسابهما كتعويض عن نزع الملكية، لذا يكون المتبقي لهما 183155 دينارا.

وبالاستفسار عن سبب ذلك تبين أن لجنة الاعتراضات أثناء نظر اعتراضهما قررت تخفيض مبلغ التعويض على النحو سالف البيان، بناء على اعتراض آخر قدم إليها من وزارة المالية، في حين أن الاعتراض على تقديرات لجنة التثمين لا يكون إلا لملاك العقارات وأصحاب الحقوق عليها.

رفض الدعوى

وانتهت محكمة أول درجة الى الحكم برفض الدعوى، بينما قررت محكمة الاستئناف الحكم بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى، لأن قرارات لجنة الاعتراضات نهائية، فتم الطعن على الحكم امام محكمة التمييز.

وبينت «التمييز» ان مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله وتفسيره، إذ قضى بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى، استنادا الى نهائية قرار لجنة الاعتراضات، وعدم جواز الطعن عليه، في حين ان المشرع حدد في القانون رقم 33 لسنة 1964 إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة، فأسند للجنة التثمين بإدارة نزع الملكية مهمة تقدير التعويض المقابل لنزع الملكية، مهتدية في ذلك بالسعر السائد في المنطقة الكائن بها العقار.

ولفتت إلى أن القانون أتاح في المادة 16 حق الاعتراض على قرارات لجنة التثمين أمام لجنة أخرى هي لجنة الاعتراضات، وقصر حق الاعتراض على طائفتين هما ملاك العقارات وأصحاب الحقوق عليها، فلا تدخل وزارة المالية ضمن هاتين الطائفتين، وبالتالي لا يجوز لها الاعتراض على تقدير لجنة التثمين للتعويض المستحق، ويكون اعتراضها غير مشروع ومخالفاً للقانون.

تعويض مستحق

وتابعت «التمييز»: «وإذ صدر قرار لجنة الاعتراضات بتخفيض قيمة التعويض المستحق لها بناء على اعتراض قدم من وزارة المالية، واعتبر الحكم ان قرارها في هذا الشأن يكون نهائيا غير قابل للطعن فيه فإنه يكون معيبا بما يستوجب تمييزه».

واوضحت ان هذا النعي سديد، لان المادة 6 من القانون 33 لسنة 1964 بشأن نزع الملكية والاستيلاء المؤقت للمنفعة العامة -المعدل بالقانون رقم 2 لسنة 2006- تنص على أن «تشكل بإدارة نزع الملكية للمنفعة العامة لجنة تسمى (لجنة التثمين)، وتختص بتقدير التعويض المقابل لنزع الملكية أو الاستيلاء المؤقت، مهتدية في ذلك بالسعر السائد في المنطقة الكائن بها العقار أو العقارات أو الأراضي المنزوعة ملكيتها أو المستولى عليها مؤقتاً، وكذلك بأثمان وإيجار العقارات في المناطق المجاورة او مثلها...».

ولفتت إلى ان المادة 12 من القانون تنص على انه «بمجرد صدور قرار نزع الملكية تخطر إدارة التسجيل العقاري بصورة منه لاتخاذ إجراءات تسجيل العقار أو الأرض باسم الدولة، وتقوم لجنة التثمين المشار اليها في المادة 6 بتقدير قيمة التعويض المقابل لنزع الملكية».

وقالت ان المادة 13 منه تنص على ان تخطر إدارة نزع الملكية للمنفعة العامة -بعد نشر قرار نزع الملكية في الجريدة الرسمية- الملاك وأصحاب الحقوق الظاهرين بالحضور أمامها لإبداء ما يرونه ولإثبات حقوقهم خلال شهر من تاريخ الإخطار...».

قيمة التعويض

وبينت المحكمة ان المادة 14 تنص على أنه «بعد انتهاء المهلة المقررة لذوي الشأن، تعد الإدارة قوائم تحصر فيها العقارات أو الأراضي المنزوعة ملكيتها ومساحاتها وحدودها وقيمة التعويض عنها وأسماء الملاك وأصحاب الحقوق ومحال إقامتهم، ونصيب كل منهم في التعويض، وتعتمد هذه القوائم من لجنة التثمين».

واضافت ان المادة 15 تنص على أن «تعرض قوائم الحصر المشار اليها في المادة السابقة في مقر إدارة نزع الملكية للمنفعة العامة لمدة خمسة عشر يوما، مع إخطار اصحاب الشأن بهذا الموعد....»، وتنص المادة 16 على أنه «للملاك وأصحاب الحقوق الاعتراض على ما ورد بالقوائم وخرائطها المذكورة في المادة السابقة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتهاء مدة العرض، وإلا كان الاعتراض غير مقبول. وتقدم الاعتراضات الى إدارة نزع الملكية كتابة...».

واوضحت ان المادة 17 تنص على ان «تنظر الاعتراض لجنة تسمى لجنة الاعتراضات يصدر بتشكيلها واجراءاتها قرار من مجلس الوزراء على أن تضم أحد قضاة المحكمة الكلية...»، وتنص المادة 18 على أن «يعتبر قرار لجنة الاعتراضات نهائيا بالنسبة الى تقدير قيمة التعويض المقابل لنزع الملكية».

قوائم الحصر

وأوضحت «التمييز» انه وكان مؤدى المواد سالفة البيان ان تقدير «لجنة التثمين» للتعويض المقابل لنزع الملكية يخطر به ملاك العقار للحضور أمام إدارة نزع الملكية للمنفعة العامة لإثبات حقوقهم، وتعد تلك الإدارة عقب ذلك قوائم تحصر فيها أسماء هؤلاء الملاك وأصحاب الحقوق، ونصيب كل منهم في التعويض، ويكون لهم الاعتراض على ما ورد في تلك القوائم خلال المدة المحددة أمام لجنة أخرى هي «لجنة الاعتراضات»، مما لازمه ان الاعتراض الذي تختص اللجنة الأخيرة بنظره هو الذي يقدم من الملاك وأصحاب الحقوق المشار اليهم -دون غيرهم- اعتراضا على ما ورد بقوائم الحصر سالفة البيان، فإذا باشرت اللجنة عملها في حدود هذا الاختصاص المنعقد لها كان القرار الصادر منها في هذا الشأن نهائيا غير قابل للطعن فيه بالنسبة الى تقدير قيمة التعويض المقابل لنزع الملكية.

وتابعت: «أما اذا نظرت اعتراضا قدم اليها من غير هؤلاء فإن قرارها الذي تصدره في هذا الشأن لا يكتسب أي حصانة ولا يرتب أي أثر قانوني، ومن ثم يجوز اللجوء إلى القضاء للحصول على حكم بإلغائه، دون أن يحتج أمامه بنهائية قرارات اللجنة، إذ إن هذه النهائية لا تلحق قرارات اللجنة إلا إذا التزمت نطاق الاعتراض المحدد لها قانونا، بأن يقدم اليها ممن له صفة في تقديمه، وهم الملاك واصحاب الحقوق دون غيرهم، وان يتعلق بالاعتراضات على ما ورد بقوائم الحصر سالفة البيان».

عدم الاختصاص

واردفت المحكمة: «وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى لنهائية القرار الصادر من لجنة الاعتراضات، رغم ان قرارها بتخفيض مبلغ التعويض المقابل لنزع الملكية والمستحق للطاعنين قد صدر بناء على اعتراض وزارة المالية على تقدير لجنة التثمين، وهي ليست من أصحاب الحقوق المشار اليهم، فلا يجوز قبول اعتراضها لانتفاء صفتها في تقديمه، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف القانون واخطأ في تطبيقه، بما يوجب تمييزه لهذا السبب دون حاجة إلى بحث بقية أسباب الطعن».

وذكرت انه «عن موضوع الاستئناف المقام من الطاعنين، لما تقدم، وكانت حقيقة طلبات المستأنفين وفقا للتكييف القانوني الصحيح لها -على نحو ما خلصت إليه محكمة الاستئناف دون نعي على حكمها في هذا الشأن- هي الحكم بإلغاء قرار لجنة الاعتراضات فيما تضمنه من تخفيض التعويض المقابل لنزع ملكية العقار المملوك لهما، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها أحقيتهما في صرف التعويض المقدر بمعرفة لجنة التثمين».

وتابعت: «وكان قرار لجنة الاعتراضات المطعون فيه قد صدر بناء على اعتراض وزارة المالية رغم عدم جواز قبوله لانتفاء صفتها في تقديمه على النحو سالف البيان، فإن هذا القرار لا يجوز أي حجية ولا يكتسب أي حصانة، ويتعين القضاء بإلغائه، وما ترتب عليه من آثار، وإذ خالف الحكم المستأنف هذا النظر وقضى برفض الدعوى فإنه يتعين إلغاؤه والقضاء بإلغاء القرار المطعون فيه وما ترتب على ذلك من آثار».