هل نستطيع أن نلغي المسألة برمتها؟ وهل من الممكن وقف خروج بريطانيا كي يتمكن البريطانيون من مواصلة حياتهم؟ طُرح هذا السؤال بإلحاح منذ تحقيق مؤيدي الخروج الانتصار بهامش محدود، ويعود هذا في جزء منه إلى أن هذه المسألة بالغة الأهمية.

لا شك أن ضرورة عقد تصويت آخر قبل أن تخرج بريطانيا من الباب تحظى بدعم كبير من مؤيدي البقاء العنيدين، ومن أبرزهم توني بلير، والسير نيك كليغ، وأندرو أدونيس، لكن الأمل بتفادي الخروج من الاتحاد الأوروبي بطريقة ما يومض أيضاً في صدور بعض مؤيدي البقاء بين المحافظين، علماً أن عدداً منهم يشارك في الحكومة. يُرغَم هؤلاء على تقبّل سياسة الانسحاب، حتى إنهم يعتقدون أنها جنون، مع أنهم لا يستطيعون التعبير عن ذلك علانية، إذ خُلطت الأوراق مجدداً ليقع الاختيار على ديفيد ليدينغتون، وزير شؤون أوروبا السابق، ليسد الفراغ الذي خلّفه داميان غرين. وهكذا بات اليوم رجل وزيرة الخارجية الأول في لجنة الخروج من الاتحاد الأوروبي التابعة للحكومة.

Ad

والآن يدخل من يمين المسرح نايجل فاراج، أتذكرونه؟ قد يشكّل غيابه أخيراً عن عناوين الأخبار أحد الأسباب التي توضح لمَ عبّرنا فجأةً عن وجهة نظرنا: "ربما، أكرر ربما بلغتُ مرحلة أظن فيها أن علينا عقد استفتاء آخر".

ولكن إذا عُقد استفتاء آخر، فلن يعود ذلك إلى الحجج والمبادئ الداعمة لإجراء تصويت ثانٍ، ولن نشهد تصويتاً آخر إلا إذا شعر اللاعبون الأساسيون أن من مصلحتهم إعادة طرح هذه المسألة على الشعب أو إذا أرغمتهم الظروف على ذلك، فيجب أولاً أن يشرّع البرلمان هذه الخطوة. فهل هذا محتمل؟ ليس كذلك في الوقت الراهن، وما قد يبدّل هذا الوضع؟ الرأي العام، فإذا تغيّر المزاج الوطني بشكل جذري، يؤدي هذا إلى تبدّل الإطار العام الذي يقوم فيه السياسيون بحساباتهم بشأن الجاذب المحتمل لدعم إجراء تصويت ثانٍ.

ولكن ثمة طريقة أخرى قد تؤدي إلى عقد تصويت آخر: إذا اصطدمت الحكومة بجدار صلب، إذا جاز التعبير، خلال إنهائها التفاصيل الأخيرة من عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي، ودخلنا راهناً مع ما يتفق الجميع على اعتباره المرحلة الأكثر صعوبة من المفاوضات، وتُعتبر المهلة الأخيرة لتوقيع اتفاق الانسحاب خلال فصل الخريف المقبل طموحة جداً نظراً إلى حجم ما يجب حله ومدى تفجّر الكثير من المسائل المشمولة.

في هذه المرحلة سيتضح جلياً أن المملكة المتحدة لا تستطيع توقّع أن تواصل التمتع بكل مزايا عضوية الاتحاد الأوروبي، إذا لم تكن مستعدة للخضوع للقواعد كافةً، وخلال هذه المرحلة أيضاً ستُضطر تيريزا ماي إلى التحديد بدقة أكبر الوضع النهائي المنشود، ومع كل ما يشمله من مخاطر، قد يؤدي هذا الوضوح إلى تأجيج الكثير من الانقسامات داخل حزبها.

أما إذا عمد البرلمان إلى عرقلة صفقة الخروج من الاتحاد الأوروبي، فستواجه المملكة المتحدة أزمة دستورية، ولا شك أن ما يلي ذلك يظل مفتوحاً على كل الاحتمالات. إليك فرضية ممكنة: قد تشعر ماي أنه ما من خيار آخر غير الرجوع إلى الشعب بعقد استفتاء آخر، ولا يستطيع مؤيدو البقاء في الاتحاد الأوروبي معارضة ذلك لأنهم لطالما طالبوا بأن تحظى الشروط النهائية بموافقة الشعب.

في الوقت الراهن، لا يبدو أننا سنشهد استفتاء آخر قبل أن تخرج بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي، ولكن ما بدأنا نراه هو كيف ولمَ قد يواجه جيرمي كوربين أو تيريزا ماي أو كلاهما ظروفاً قد ترغمهما على تبني هذه الفكرة.

* أندرو راونسلي

* «الغارديان»