يعيش الشباب اليوم في ظل عالم تقني صاخب ومتسارع يسرق اللحظات منهم ليجعلهم يعيشون في واقع افتراضي يسيطر على اهتماماتهم، ويغير خريطة الزمن من حولهم، ومن بين أبرز تلك التقنيات شبكات التواصل الاجتماعي التي أخذت مؤخرا تتفاقم وتتنوع بصورة لافتة للانتباه، فمن "فيسبوك" إلى "توتير" ثم "الإنستغرام" وبعدها "سناب جات" وغيرها من برامج تتغلغل في حياتنا أكثر فأكثر.

ولا يغفل عن القارئ التأثير الكبير لهذا العالم الجديد على الهوية الاجتماعية والوطنية، حيث أدت إلى ظهور أفكار غريبة بعيدة عن القيم الأصيلة التي نشأنا عليها، ناهيك عن تغيير الخريطة السياسية وسقوط أنظمة من خلال ثورات وانقلابات كان فتيلها كلمات وعبارات تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب ظهور جماعات إرهابية نشرت الرعب ومارست جميع أنواع التعذيب الفكري على الشعوب، ناهيك عن الأفكار والمعتقدات التي غيرت منظومة الإنسان العربي من دون وعي أو إدراك.

Ad

فهل تأملت عزيزي القارئ سبب انتشار برامج التواصل الاجتماعي بصورة مجانية وخلوها من الإعلانات أو أي مصدر يدر أرباحا للشركة المطورة؟ فعلى سبيل المثال لا الحصر "الواتساب" الذي يعتبر من أهم وأبرز البرامج انتشارا في الوطن العربي يحمل مجانا، ويخلو من أي إعلانات، ويتميز بتقنيات مضافة تقوم بالتغلغل في بياناتنا الشخصية التي يعتبرها البعض أمرا تافها، فمن المحادثات النصية إلى الصوتية إلى مقاطع فيديو إلى نقل حي وغيرها من التقنيات وبالمجان!

والغريب أيضا أن الدول العربية تتصدر استخدام برامج التواصل الاجتماعي مثل دولة الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية، في حين أن الدول المتقدمة مثل اليابان وألمانيا والصين وسنغافورة تعتبر في آخر هذه الدول.

والأمر الأدهي والأمرّ أن معظم أصحاب هذه البرامج هي شركات إسرائيلية الأصل ذات مصادر دخل غير معلومة وواضحة، والأغرب هو صمت حكومات الشعوب العربية، فلا إجراء يتخذ ولا برنامج يُحجب ولا دراسات توضح وتبحث الجوانب الأمنية لهذه البرمجيات.

فمتى نفيق من السبات وندرك أن الهوية العربية مهددة بالفناء، فالتقنية أصبحت تتضخم بصورة متسارعة، وتقتحم حياة الشعوب وتحركنا بلا إدراك؟ ومتى نفك القيود ونصبح أسياد أنفسنا ونهتم بالأهم؟ فالأمة العربية تمتلك عقولا متميزة قادرة على بناء نهضة تتصدر الآخر، فكفانا هجرة عقول، وكفانا حراك لا يليق بمجد أمة تنزلت فيها أعظم الديانات، واختارها المولى لتكون أكرم البقاع.

*عضوة هيئة تدريس في جامعة الكويت