بسذاجة منقطعة النظير أصدرت الشركة المنتجة لفيلم «طلق صناعي»، بياناً قالت فيه إن «الفيلم المنتظر عرضه خلال الأيام المقبلة تدور أحداثه في عهد الرئيس المخلوع محمد مرسي، وتمت كتابته عام 2012، ويكشف عن معاناة المصريين والدولة في تلك المرحلة، مشيراً إلى أن تلك المعاناة دفعت الكثير منهم إلى التفكير في الهجرة»!

أزعم أنها، بهذا البيان، فتحت على نفسها، والفيلم، أبواب الجحيم، وكانت مثل «الدبة التي قتلت صاحبها»، بعدما تبنت الرقابة موقفاً متعنتاً حيال الفيلم، ورفضت الترخيص بعرضه جماهيرياً، وهو ما أقرت الشركة به في بيانها، الذي قالت فيه إن «الفيلم لا يمكن تصنيفه كعمل سياسي بقدر ما يُعد فيلماً اجتماعياً بالدرجة الأولى، لكونه يرصد حالة التشاؤم التي سيطرت على المجتمع بعد وصول جماعة الإخوان إلى الحكم».

Ad

سبق السيف العذل، فالفيلم الذي كتبه الأشقاء: محمد وشيرين وخالد دياب، الذي أخرجه واختار لبطولته: ماجد الكدواني، وحورية فرغلي، وشارك فيه: سيد رجب، وبيومي فؤاد، ومصطفى خاطر، ومي كساب، وكان مزمعاً عرضه في 3 يناير، دخل في أزمة رقابية عنيفة، لا أظن مُطلقاً أنها بسبب ما قيل حول إن «اللجنة المشكلة من جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، رأت أنه متأثر تأثراً واضحاً بالفيلم الشهير «الإرهاب والكباب» تأليف الكاتب الكبير وحيد حامد، وبطولة عادل إمام، ما أسفر عنه تعطل استخراج التصاريح لعرضه في الصالات». بل أتصور أن الربط بين أحداثه وفترة حكم مرسي، فضلاً عن كونه يتعرض لأميركا، وتعريضه بالمعالجة الأمنية المصرية لأزمة اقتحام السفارة الأميركية، بواسطة زوجين مصريين، بغية الحصول على الجنسية الأميركية، تمثل الأسباب الحقيقية، في نظري، للأزمة الرقابية المحتدمة!

كانت الدورة الرابعة عشرة لمهرجان دبي السينمائي الدولي شهدت العرض العالمي الأول للفيلم، الذي شكّل أول تجربة إخراجية للكاتب خالد دياب، والأمر المؤكد أن اختيار الفيلم للعرض في برنامج «ليال عربية» رفع أسهمه كثيراً، وغطى على كثير من عيوبه، التي جعلت «ولادته متعسرة للغاية»، فالكوميديا غليظة بدرجة واضحة، والإصرار على نفي العلاقة بين «طلق صناعي» والفيلم الشهير «الإرهاب والكباب» أكد العلاقة أكثر، وجعل كفة المقارنة تميل تماماً لصالح الفيلم، الذي أنتج عام 1992 من تأليف وحيد حامد وأخراج شريف عرفة، واتسم بعمق أكبر في تأصيل شخصياته الدرامية، وتكريس خلفياتها الاجتماعية، ما أدى إلى التعاطف معها جميعاً، على عكس ما رأينا في «طلق صناعي»، الذي ظهرت شخصياته باهتة، وباستثناء الشخصيتين الرئيستين للزوجين «حسين عبد السلام أمين» (ماجد الكدواني) و{هبة» (حورية فرغلي)، اللذين لجآ إلى السفارة الأميركية في القاهرة للحصول على تأشيرة الدخول إلى الأراضي الأميركية، وحيال الرفض المتوقع، أقدم «حسين» على تنفيذ «الخطة البديلة»، التي تقضي بالتعجيل بولادة زوجته داخل السفارة، باعتبارها أرضاً أميركية، من ثم يُمنح المولود جنسيتها، بل إنه يُذكرنا بأحد البدائل التي طرحها «الدكتور حسن» (خالد صالح) في فيلم «فبراير الأسود» (2013) تأليف محمد أمين وإخراجه، كما أن استيلاء بطل «طلق صناعي» على سلاح أحد أفراد الأمن، واحتلال السفارة، يُعيد إلى الأذهان ما جرى مع «أحمد» (عادل إمام)، الذي استولى، في «الإرهاب والكباب»، على السلاح الميري، وفرض سلطته على مجمع التحرير!

المُفترض أن فيلم «طلق صناعي» يعتمد الكوميديا الساخرة سبيلاً لطرح ومعالجة قضية (الهوية)، لكن الحال تصل به إلى حد «تجميل الوجه الأميركي»، والسخرية – بفجاجة – من المعالجة الأمنية للقضايا الشائكة، وباستثناء «الكدواني»، الذي حاول «إنقاذ ما يمكن إنقاذه» عانى الفيلم مشاكل كثيرة، على رأسها فتور الأداء التمثيلي، وسطحية المعالجة، التي رسخت شعوراً بأن المصريين حفنة من «الغوغائيين»!

«طلق صناعي» (90 دقيقة) يمكن النظر إليه بوصفه «نزوة» ليس أكثر بالنسبة إلى مخرجه خالد دياب، الذي لمع اسمه كشريك في كتابة كثير من الأفلام، مثل: «عسل أسود، وبلبل حيران، وألف مبروك، والجزيرة 2»، وآخرها فيلم «اشتباك»، الذي افتتح برنامج «نظرة ما» في «مهرجان كان السينمائي» (2016)، لكن يبدو أنه «استسهل» عملية الإخراج، التي لم يكن مؤهلاً لها، وتخيل أن «الإخراج ليس سوى تجميع مجموعة من الممثلين أمام الكاميرا، وتركهم يفعلون ما يحلو لهم، كلٌ حسب قدراته»، فضلاً عن محدودية موهبته على صعيد قيادة فريق العمل، ومن هنا كانت الطامة الكبرى!