كتبتُ أكثر من مرة، وقلت في أكثر من لقاء ومحاضرة، إن الجهد اللافت حالياً على مستوى الحركة الإبداعية والثقافية في الكويت، هو الجهد الشخصي، والمبادرة الشخصية، سواء في مجال الكتابة الإبداعية، أو مجال دور النشر، أو التشكيل أو السينما أو المسرح وأخيراً الملتقيات الثقافية ونوادي القراءة. وهذا يتماشى مع قناعتي بأن الكويت تحمل من الطاقات الشبابية المخلصة للفكر والإبداع والثقافة الكثير الكثير. وهذا لا يتعارض مع وجود نتاج إبداعي ضعيف وهزيل ولا أريد أن أقول إنه سيئ!

رزان المرشد، وخالد الشايع، عبدالعزيز العوضي، ثلاثة أسماء شبابية تحمل من التصميم والإرادة والإقدام بقدر ما تحمل حباً وإخلاصاً للإبداع والثقافة. ثلاثة شباب، تقودهم فتاة مليئة بالطاقة والحماس وحب التعلّم، إضافة إلى انشغالها بدراستها لرسالة الماجستير في القانون، هؤلاء هم وراء مشروع ثقافي بدأ بـ"حروف"، وانعطف ليكون مكتبة ثقافية بعنوان عريض "صوفيا".

Ad

حين تكون في مجمع العثمان في منطقة "حولي"، ستصل إلى "صوفيا"، مكتبة مشرّعة على الضياء والكتاب المعرفي الفكري والإبداعي والثقافي. مكان أليف وحميم، في تصميمه وألوان خشبه، وأرضيته، وفي لقاء الأصدقاء حول مائدة الكتاب والنقاش والوصل الأجمل. أنا هنا لا أعمل دعاية لهذه المكتبة، وليس من ضررٍ في ذلك، لكني أشير إلى جهد شبابي كويتي صعب وبحاجة إلى مثابرة لكي يرى النور ولكي يستمر، وهذا ما تحاول مكتبة "صوفيا" أن تعمله.

في لقائي معهم، أفادوا بأن مكتبة صوفيا، تأتي من قناعتهم بأن "المكتبة ليست مستودعا للكتب"، وأضافوا:

"إنما نحاول أن نخلق بيئة ثقافية متكاملة تساهم في تطوير وتعزيز الثقافة في الكويت".

وفي نقاشي معهم حول تصورهم عن هذه البيئة أجابوا:

"نعمل على تنظيم المحاضرات، والملتقيات، والأمسيات الشعرية، وورش العمل التي تهدف إلى صقل الوعي الإبداعي والثقافي في الكويت".

كنتُ فرحاً وأنا أستمع إليهم، يتكلمون بصوت واحد، وبنبرات متباينة لكنها تسير في الجادة نفسها، بينما بعض محبي الكتب يفتشون في رفوف المكتبة عن أعمال يبحثون عنها.

"حاولنا في المكتبة أن نخلق فضاءً يمكّن الزائر من القراءة والكتابة".

نعم، المكان في "صوفيا"، مُعد ليكون مضيافاً لكل من يقصد قراءة أو كتابة. لكَ أن تلقي التحية، وتبحث في رفوف المكتبة عن بغيتك، وبعدئذ لك الخيار في القراءة، أو الشراء، أو تدوين ما تشاء من نقاط تهمك.

"صوفيا"، إلى جانب مشاريع إبداعية وثقافية شبابية بجهد خاص، تقول بصوت عالً: هناك فئة من شباب

الكويت يؤمنون بالفكر والإبداع، ويؤمنون أكثر بأنهم يحملون رسالة لهذا المجتمع، وهذه الرسالة هي دافعهم في كل ما يعملون، بعيداً، وربما بعيداً جداً عن حسابات الربح والخسارة. وهذا ما يوجب تشجيعهم ودعمهم والوقوف معهم بغية إيصال رسالتهم للناشئة، وبالتالي الرهان على خلق وعي إنساني عصري متقدم، يستطيع أن يواكب اللحظة الإنسانية العابرة، ويستطيع من جهة أخرى أن يرفع اسم الكويت عالياً في المحافل الثقافية العربية والدولية.

مكتبة "صوفيا"، إلى جانب اعتنائها باختيار الكتاب الأكثر إبداعاً محلياً وعربياً وعالمياً، هي مهمومة بترتيب برنامج ثقافي لمجموعة من الأدباء والمفكرين والفنانين، وهذا يأتي محمولاً على أجنحة عشقهم للكويت والفكر والإبداع والتنوير.

المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، كمؤسسة رسمية، ورابطة الأدباء الكويتيين كمؤسسة أهلية، هما الجهتان المنوط بهما رعاية الإبداع والمبدع والمثقف والثقافة، لكنّ شموعاً أخرى تتوزع الكويت الحبيبة، إنما تشكل إضافة مهمة وكبيرة صارت تحتل مساحة لا يمكن التغاضي عنها، بل صار جهدها لافتاً لدرجة يحق لنا معها أن نفخر بهم.

مكتبة "صوفيا" لكم كل التوفيق والنجاح، ولنا نحن فخرنا بكم.