لقد كانت فكرتي تقوم على أن العمل الخاص أكثر جودة من عمل المؤسسات الحكومية الرسمية، وقد ثبت لي عكس ذلك من خلال تجربة شخصية، فقد تعرضت لوعكة صحية مفاجئة في الرجل اليمنى خلاصتها آلام شديدة نتيجة جلطة. بدأت القصة بالمستشفيات الخاصة، وكنت كالكرة التي يقذفها شخص على آخر لمدة أسبوعين، بسبب هل أن المريض من المتقاعدين أم لا؟

وبعد الفحوص والتحاليل والـMRI اتضح لي أنه لا يوجد قسم أوعية دموية في المشفى الخاص، ووقيل لي: اذهب إلى مستشفى مبارك! وكانت المفاجأة الأخطر هي أن طبيب الأوعية الدموية في مستشفى مبارك، قال أمامك ساعات قليلة عن بتر القدم إذا لم نجرِ عملية إخراج الجلطات! لأنك تأخرت مدة أسبوعين! فقلت له توكل على الله الآن، وأجريت العملية والحمد لله كانت ناجحة، وعلى الرغم من الآلام بعدها لكنها أفضل من بتر القدم، والسبب أن المستشفيين في القطاع الخاص اللذين أضاعا أسبوعين في انتظار تحويل المبالغ من التأمين الصحي (عافية).

Ad

وعانيت بعد العملية الكثير ولا أزال، وقد خفف عني سؤال الزملاء المستمر عن حالتي الصحية، وبعد فترة من الوقت قررت الكتابة عن الموضوع دون ذكر أسماء، لكن لدي وثائق الموضوع من تقارير طبية وفواتير وغيرها عادة أحتفظ بها، وأنا متخصص في التاريخ الحديث المعاصر أهتم بوثائق الأحداث، فكيف لا أحتفظ بوثائقي الخاصة، وفي الوقت نفسه عامة تهم عددا كبيرا من الناس.

ثم راجعت الطبيب الذي أجرى العملية في عيادته، جزاه الله خيراً، لكن آلام الأعصاب استمرت وقررت بعدها السفر إلى لندن لاستكمال العلاج لمدة تزيد على أسبوعين على نفقتي الخاصة، ولم أمكث طويلاً لوجود التزامات عليّ فأنا أستاذ جامعي، ولدي مسؤوليات وجدول دراسي إضافة إلى مسؤوليتي عن ندوة فكرية سيقيمها المجلس الوطني خلال أيام قليلة، وقد شاركت فيها لاحقاً، وكانت ناجحة ستنشرها مجلة عالم الفكر في عدد قادم.

والأمر الغريب أن المستشفيات الخاصة كانت تسألني إذا أردت عمـل (MRI) فوراً سيكون الدفع "كاش" أو ننتظر رد التأمين الصحي، وهذا سيستغرق ساعات! ولم أفهم السبب وهو معروف لدى الجميع.

والنتيجة التي خرجت بها عن تجربتي هذه هي أن رجلي كانت معرضة للبتر، وربما حياتي للخطر لأن المستشفى في لندن قد أبلغني أن الجلطة خرجت من القلب إلى الساق فالقدم، والحمد لله على أي حال، وفكرت كثيراً في أن أكتب القصة لأنني وصلت إلى نتيجة هي أن تعامل مثل تلك المؤسسات هو تعامل تجاري لا علاقة له بالجانب الإنساني، وترددت كثيراً وأنا أفكر في الكتابة عن قصتي لأنها ذاتية، بيد أنها تهم الكثيرين، خصوصا فيما يتعلق بصحة الإنسان.

فقررت الكتابة عن موضوع شخصي لأنه في الوقت نفسه قضية عامة، وثبت لدي أن المستشفيات الحكومية بالمشاكل التي تعانيها أفضل من غيرها، ويبدو أن تلك قضية إشكالية بين القطاعين العام والخاص ضحيتها المواطن والإنسان بصورة عامة.