حققت دولة الكويت مكسباً دبلوماسياً دولياً من خلال عضويتها في مجلس الأمن لمدة عامين، ومزاملتها للدول الكبرى في أهم هيئة عالمية، رغم الفارق الكبير في سلطة القوى العظمى التي تتمتع بحق النقض "الفيتو"، لكنها تبقى منبراً أممياً تنتظره وتعتمد عليه الدول الصغيرة إعلامياً وسياسياً.

لكن مع أول اختبار للدبلوماسية الكويتية في مجلس الأمن الدولي جاءت الهفوة كبيرة عبر مداخلة المندوب الدائم السفير منصور العتيبي على خلفية الاحتجاجات والمظاهرات التي شهدتها بعض المدن الإيرانية قبل عشرة أيام، ويبدو أنها انتهت تماماً قبل بدء مناقشة المجلس أصلاً.

Ad

الانتصار للشعوب خصوصا فيما يتعلق بالحريات العامة، مسؤولية وجدانية وأخلاقية، ولكن إذا ما تزامنت مع مصداقية تناسبها وترتقي إلى المعاملة بالمثل، ولذلك يجب أن تنأى الحكومات بنفسها عن الخوض في الشأن الداخلي للدول الأخرى، خصوصاً إذا كانت تفتقر إلى احترام مطالب شعوبها ولا تعاملهم بالطريقة التي تطالب الآخرين بها.

جلسة مجلس الأمن بخصوص إيران كانت بكل وضوح صنيعة الإدارة الأميركية وتوجهات الرئيس ترامب الشخصية، الذي تحوّل إلى أضحوكة سياسية لا تخجل ولا تتحرج من فشل لآخر، ومن الهزائم السياسية التي أصحبت أيقونة متلازمة مع عهده القصير في الحكم، بدليل توبيخ أقرب حلفاء الولايات المتحدة له والسخرية من سياساته وآخرها تجاه إيران، ولهذا لا يمكن تفسير الموقف الكويتي إلا إرضاءً لشخص ترامب لا غير، الأمر الذي أوقع الحكومة في حرج وتناقض شديدين.

إن المطالبة الكويتية للحكومة الإيرانية بالاستماع إلى شعبها نحن أولى بها محلياً، فمتى كانت حكومتنا تستمع إلى رأي شعبها في العديد من المطالب والمواقف المهمة، خصوصا في محاربة الفساد واحترام الإرادة الديمقراطية والمحافظة على الدستور وعلى مدى عقود من الزمن؟ وكيف تعاملت الحكومة الحنونة على المعارضين في إيران مع المطالب الشعبية والاحتجاجات في قضية الإيداعات والتحويلات المليونية؟ وأين كان هذا القلب العطوف في ساحة الإرادة والهراوات التي انهالت على أجساد الشباب ثم ملاحقتهم بالتحقيق والاعتقال والحبس لسنوات طويلة؟ ولماذا لا نرى هذه الدعوة الرحيمة مع المغردين والاستمرار في تلفيق التهم لهم حتى بعد أن استفردت الحكومة بالقوة والمكنة؟

الكويت تشهد اليوم إحدى أكبر قضايا الحبس في تاريخها الحديث بحق معارضيها، ويشمل ذلك مختلف المكونات الوطنية بتنوعها مذهبياً وطبقياً واجتماعياً، بل على اختلافاتها الفكرية والسياسية، كما يعيش البلد في ظل أكثر القوانين التعسفية المصادرة لحرية الرأي والموقف حتى بالكلمة أو التغريدة أو الاستنصار لشعوب الدول الأخرى، ناهيك عن الخروج في تجمع أو مسيرة احتجاجية حيث تواجه بسحب الجنسية!

ليس في مثل هذه الظروف يحق لنا أن نعلم الآخرين دروساً في المناصحة واحترام الشعوب، ولنحمد الله أن مداخلة مندوبنا في مجلس الأمن لم تتزامن مع عرض لشريط قوات الأمن وهي تنهال بالضرب على الشباب والشابات، أو منظر الدكتور عبيد الوسمي وهو يسحل وحيداً على الأرض بواسطة عشرة ضباط وأفراد من القوات الخاصة!