بعد مرور بضعة أيام على انطلاق التظاهرات الإيرانية ما زالت الأسئلة المطروحة بشأنها تفتقد أجوبة واضحة، وذلك على الرغم من تبلور بعض الاتجاهات التي تشي بما سيأتي لاحقاً، فالمظاهرات التي انطلقت في شمال شرق البلاد امتدت إلى عددٍ من المدن الإيرانية، ولكن المدن الأساسية كطهران وتبريز ما زالت خالية منها، لذا يمكن القول إن هذه المظاهرات مشتتة جغرافياً، كما أن عدد المتظاهرين محدود، رغم أنّ تأثير التظاهرات يبقى جدياً ويجب ألا يُستخفّ به.

ومع أن المظاهرات شهدت عنفاً كإحراق سيارة تابعة للشرطة في مدينة كاشان إلا أن عدد المتظاهرين في تلك المدينة لم يتجاوز المئات، ومع أنّ عدد المتظاهرين ضئيل إلا أنّ ذلك لا يسهل الأمور على السلطات الإيرانية التي تعاني صعوبة المواجهة بالطرق المناسبة، وبات من الواضح أن تطبيق «تلغرام» للهاتف الذكي الذي يضم نحو 40 مليون مستخدم في إيران هو المفتاح الأساسي لحشد الناس.

Ad

وقد نشرت «المونيتور» تقريراً سابقاً حول أهمية هذا التطبيق وشعبيته وطريقة تغييره للإعلام الإيراني وكيفية محاولة السلطات الإيرانية السيطرة على انتشاره، ففي شهر أبريل من السنة الماضية، طلبت اللجنة العليا لشبكات الإنترنت والفضائيات الإيرانية من مديري القنوات التي يتجاوز عدد أتباعها خمسة آلاف ضرورة التسجيل لدى وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، وتلت هذه الخطوة عمليات تضييق على مديري القنوات الإصلاحية قبيل انتخابات مايو 2017، وقد فاز الرئيس حسن روحاني، المتحالف مع المعسكر الإصلاحي بولاية ثانية في تلك الانتخابات بسهولةٍ فائقة.

ويبدو أن «أمد نيوز»- وهي قناة على تلغرام قد أدت دوراً أساسياً في انطلاق الاحتجاجات، ويديرها حسبما يقال الصحافي روح الله زام، وهو ابن أحد رجال الدين الإصلاحيين كان قد فرّ من البلاد بعد اتهامه بصلات مع الاستخبارات الأجنبية- لها على ما يبدو عدد لا يستهان به من المتابعين، وهو ما دون المليون بقليل.

وقد تزايد عدد المتابعين هذا قبل أن يطالب وزير تكنولوجيا الإعلام والاتصالات محمد جهرومي مؤسس أمد نيوز بافيل دوروف بإغلاق القناة تماماً بسبب تحريضها على العنف، والمثير للاهتمام هو أنّ الطلب الإيراني هذا تمّ علناً عبر «تويتر»، وهي وسيلة تخضع لرقابةٍ شديدة في البلاد. لا نعرف بعد من يدير هذه التظاهرات، ولا شكّ أن غياب الشخص القائد لها يجعل السلطة الإيرانية عاجزة عن توجيه أصابع الاتهام نحو طرف معين كما فعلت في عام 2009 فجاءت الاتهامات تقليدية من حيث اتهام أجهزة الاستخبارات الأجنبية والدول العدوة لإيران.

كما أنّ مطالب الاحتجاجات جاءت غير موحدة، فالشعارات تتنوّع من انتقاد للأسعار الباهظة إلى دعوة صريحة بإنهاء نظام الجمهورية الإسلامية، وفي أول ردة فعل لروحاني على التظاهرات علقّ قائلاً: «وفقاً للدستور ولحقوق المواطنين يحقّ للناس التعبير عن انتقاداتهم وحتى الاحتجاج»، وأمام الرئيس الإيراني هنا تحدٍ كبير، عليه أولاً أن يفي بوعده بالسماح لوسائل التعبير عن الرأي بالحرية اللازمة لها، ويمكنه كذلك العمل مع مراكز السلطة الأخرى كالقضاء وقوى الأمن لإعطاء تراخيص لمظاهرات سلمية.

ثانياً على روحاني معالجة المواضيع الاقتصادية التي تقع في صلب الاحتجاجات نفسها، وهي نتيجة لزيادة التوقعات بشأن الوعود التي قطعها روحاني بنفسه على الشعب، وأخيراً بدلاً من السماح بتحوّل التظاهرات أداةً بين يدي خصومه المحليين وفرصةً يستغلها المتشدّدون لبرهان أحقية وجهة نظرهم، على روحاني العمل على إقناع المرشد الأعلى بضرورة معالجة مسألة مراكز السلطة والمال غير الخاضعة لأي محاسبة.

إنّ هذه المسألة بالذات شكلت الوقود المطلق لشرارة التظاهرات، ولكن إن عرف الروحاني كيفية استغلال ما يحصل اليوم فقد يحوّل هذه التظاهرات إلى فرصة ينتهزها لمواجهة الأطراف والمصالح التي تحول دون تطبيقه لبرنامج إصلاحاته.

* محمد علي شهباني

* «المونيتور»