خيراً فعل مجلس الأمة بإلغاء توصيته "البدعة" بتشكيل لجنة نيابية-حكومية لصياغة مصالحة وطنية في الدولة، الغاية الرئيسية ممن يريدها هي إصدار عفو عن الشباب الذين اقتحموا مجلس الأمة في تلك الليلة الشهيرة من ديسمبر 2011، وهي اللجنة التي تخالف الدستور واللائحة الداخلية لمجلس الأمة ولا يمكن تبرير وجودها.

مشكلتنا في الكويت هي استيراد عناوين ومسميات لا يفقه البعض معناها، أو لا تكون مناسبة للغرض المطلوب منها، فأنا لا أفهم ما هو معنى "مصالحة وطنية"! فهل كانت الكويت لا سمح الله في حرب أهلية حتى تنشأ جهة للمصالحة الوطنية؟ أو تمت عمليات إبادة أو تهجير قسري أو جرائم حرب من السلطة حتى يتم جلب هذا العنوان لتلك اللجنة الملغاة؟

Ad

حقيقة الأمر أن شباباً اختاروا طريقاً معيناً لمكافحة فساد السلطتين التشريعية والتنفيذية، ساندهم البعض في حينه، واختلف آخرون معهم، ومع الأيام اتضحت الصورة وحقيقة الأوضاع.

ثمن النضال من أجل قضية وطنية غالباً ما يكون غالياً، وقد يدفع طلائع الشعوب ومناضلوها أرواحهم ثمنا لقضاياهم الكبرى، الواقع أن رجال ذلك الحدث أو بعضهم أكثر فهماً وإيماناً بما قاموا به في ديسمبر 2011، لذا تقدموا لتسليم أنفسهم ولم يطلبوا مغفرة أو عفواً، لأن مثل ذلك الفعل يمثل اعترافاً منهم بأن ما قاموا به هو فعل خاطئ لقضية زائفة.

قضية اقتحام مجلس الأمة مازالت أمام القضاء، لكن بعضهم يسطر نموذجاً في النضال الوطني، ويصدر بياناً تاريخياً بلغة رفيعة ومضامين عميقة وطنية شاملة غير عابئ بالقضبان والأسوار التي تحيط به، ويعلن تأسيس تجمع سياسي بعيداً عن الصالونات ودواوين الضواحي ومناضلي "المرسيدس" وقاعات الفنادق ذات الخمس نجوم، بل من داخل العنبر بالسجن المركزي أربعة رجال هم سليمان بن جاسم وراشد الفضالة ود. مشاري المطيري وحمد العليان.

لذا أنحني احتراماً وتبجيلاً لأصحاب البيان الرائع الذين لم يطلبوا فيه عفواً أو مغفرة، بل ناشدوا الأمة استنهاض هممها لمواجهة تحدياتها ومعالجة مشاكلها وإصلاح فسادها، من خلال تجمع وطني لا يمكن لمن يطلقه من السجن أن تكون له منه منافع شخصية، بل غايته خلق طبقة سياسية جديدة مختلفة ونقية، فتحية لكم، لأنكم في طريق سيغير ملامح العمل الوطني والسياسي في الكويت إن عاجلاً أو آجلاً.