لا شكّ أن دونالد ترامب شنيع بحيث لا نستطيع أن نتغاضى عن هذا الموضوع خصوصاً مع اكتشافه اليوم للصواريخ، ولكن لهذا السبب تحديداً، أي لأنه يجذب أنظار كل العالم المشدوهة إليه، يستطيع قادة الدول الأخرى الإفلات بكل ما يقومون به. ألا تصدقونني؟ يكفي أن نلتفت إلى قائد بلد واحد في الشمال: جاستن ترودو.

أمعنوا النظر قدر ما شئتم، فهو لطيف طبعاً وهو القائد الوحيد في العالم الذي يبدو وكأنّه غادر للتوّ فرقة موسيقية للصبيان، وقد أجاد هذا القائد اتباع سياسات الإدماج كلّها، فهو عطوف مع المهاجرين، ويصرّ على إشراك النساء في كل مستويات عمل الحكومة، وعلينا أن نعترف هنا أنه نقيض دونالد ترامب في نواح كثيرة وما من مفاجأة إذاً في أن يكون الكنديون منبهرين به تماماً منذ تسلّمه لزمام السلطة.

Ad

ولكن حين يتعلق الأمر بالموضوع الذي نناقشه هنا، أي التغير المناخي، فهو لا يختلف أبداً عن الرجل البرتقالي في واشنطن.

طبعاً ليست أوجه التشابه هنا قطعية، فترودو يقول كل ما هو صائب مرةً تلو الأخرى، ولديه سكوت بروتز في حكومته وكل من يعملون لديه يقولون الأشياء الصحيحة، بل هم متخصصون في دفع الآخرين لقول الأشياء الصحيحة بدورهم، فوزيرة البيئة الكندية كاثرين ماكينا هي من دفعت باتجاه هدف قاسٍ وصعب المنال في محادثات باريس حول التغير المناخي: ابقاء درجة ارتفاع حرارة الأرض على عتبة 1.5 درجة مئوية.

ولكن تلك الكلمات تبقى حبراً على ورق إن بقيتَ تحفر بحثاً عن الكربون وتبيعه للناس، وهذا تماماً ما يقوم به جاستن ترودو، فهو ينكب على تمرير أنابيب جديدة عبر كندا والولايات المتحدة لاستخراج مزيد من النفط من تربة ألبيرتا، وتلك إحدى أكبر الكوارث البيئية في كرتنا الأرضية.

في الشهر الماضي نال ترودو تصفيقاً حاراً أمام مؤتمر هيوستن لشركات النفط لقوله التالي: "ما من بلد يكتشف وجود 173 مليار برميل في أرضه ويتخلى عنها". نعم 173 مليار برميل هو ما يتوقع استخراجه من تلك الأراضي، فلنقم بعملية حسابية بسيطة: إن استخرجت كندا هذا النفط وباعته للناس، فهي ستنتج وفق نوابغ الرياضيات في مؤسسة النفط الدولية 30% من الكربون الكافي لأخذنا إلى ما هو أعلى من عتبة الـ1.5 درجة مئوية التي ساهمت كندا في وضعه في باريس.

وهذا يعني أن كندا، التي تشكل 1% من سكان الكرة الأرضية، تطلب حق بيع النفط الذي يستهلك ثلث ما تبقى من ميزانية الأرض من الكربون، لا شك أن ترامب مسخ وخطر ولا يسرنا النظر إليه إلا أنه ليس خبيثاً بارعاً.

وقد واجه رجل البيئة الكندي ديفيد سوزوكي مكينا بهذا التناقض في المواقف فردت عليه قائلةً: "لدينا خطة رائعة للبيئة تشمل فرض غرامة على التلوث الكربوني، ونحن نستثمر كذلك في الابتكار النظيف، لكننا نعرف كذلك أننا بحاجة الى تسويق مواردنا الطبيعية ونحن نقوم بالاثنين معاً". صحّ! ولكن القيام بالثاني يلغي الأول لا بل يشطبه تماما، فحين تنشغل كندا بشحن الكربون إلى مختلف أنحاء العالم، لا يهم أبداً إن توقف كل متجر تيم هورتونز فيها عن بيع الدوناتس وبدأ ببيع لوحات الطاقة الشمسية بدلاً من ذلك. ولكندا شريك في هذا الاحتيال، فالاسترالي مالكوم ترنبول الذي ينبغي أن يكون أكثر فهماً وتنبهاً لهذا الموضوع من خلفه الشبيه بترامب، حين وقع على اتفاقية باريس للبيئة قال: "من الواضح أنّ هذا الاتفاق يشكل منعطفاً أساسياً وقد استأثر تبني استراتيجية شاملة اهتمام الأسرة الدولية ودفع إلى القيام بعمل دولي في هذا المجال". كلام جميل طبعاً لولا أنّ حكومته ما كانت تدعم خططاً لقيام أكبر منجم للفحم في العالم، هذا المنجم وحده في بلد يضم 24 مليون نسمة، سينتج 362% من انبعاثات الكربون التي ينتجها أي شخص في الفلبين في غضون سنة، وبالتالي تكون المسألة برمتها سخيفة حسابياً ومعنوياً.

ويعمل ترامب بشكل حثيث طبعاً لإرضاء صناعة الأحفور الحجري أيضاً، فقد أعطى توجيهاته مثلاً الى مكتب إدارة الأراضي لتسهيل إعطاء تراخيص جديدة لاستخراج النفط والغاز. لن نستطيع حتى السيطرة على كمية الميثان الذي سينبعث وفق هذه التعليمات الجديدة، ولمَ نفعل ذلك أساساً إن كنا نؤمن، كما يفعل ترامب بأنّ مسألة الدفيئة البيئية مجرّد خرافة وسراب ينبغي الكفّ عن مناقشة أبعاده.

بمعنى آخر لا شكّ أن ترامب يهين البيئة لكنه لا يزعم على الأقلّ أنه يفعل عكس ذلك!

* بيل مكبن*

* «الغارديان»