الإساءات التي صدرت أثناء دورة الخليج باستخدام التصوير والنشر بأجهزة التلفونات الذكية تؤكد مجدداً أن هناك من يستخدم هذه الأجهزة لأغراض منافية للأخلاق والقيم السليمة، وهذا ليس بمستغرب، ففي أي مجتمع هناك القويم والرديء، ولكن الخطورة أن يترك هذا الرديء لينشر قاذوراته على الملأ باستخدام هذه الأجهزة حتى تعود لتحسب من الأمور العادية المتقبلة التي لا تستحق الاعتراض أو حتى الإنكار.

قبل سنوات وفي عام 2005 تحديداً دار حديث على هامش مجلس الوزراء مع سمو أمير البلاد، وكان وقتها رئيسا لمجلس الوزراء حول حادثة اغتصاب تمت في إحدى الدول المجاورة، وقام منفذوها بتصويرها ونشرها في أجهزة الهاتف، كما تناول بعض الزملاء حوادث تصوير مشابهة في أعراس وحفلات محافظة، وحوادث أخرى انطوت على تهديد لنساء في أعراضهن أو أموالهن، وطرح تساؤل عن إمكان إصدار تشريع يجرم هذا التصوير والنشر.

Ad

وبالفعل اجتمعت فورا مع المكتب الفني في وزارة العدل ثم اللجنة القانونية في مجلس الوزراء بحضور الفتوى والتشريع حيث انتهت الاجتماعات إلى تقديم مشروع قانون أقره مجلس الوزراء، وأحاله إلى مجلس الأمة الذي وافق عليه بالإجماع بعد ذلك، وصدر برقم 40 /2007.

هذا القانون اعترض عليه بعض دعاة المزيد من الحريات وسخروا منه وأطلقوا عليه قانون البلوتوث، لكنه صمد بحمد الله حماية للمجتمع ولحريات الناس وكراماتهم وأعراضهم.

هذا النوع من الإساءات يمكن كشفه وردع فاعله بسهولة، أما الإساءات الأخطر في نظري فتكمن في ذلك الكم الهائل من الأخبار المضللة والمعلومات والتحليلات الخاطئة التي تقذف في هذه الأجهزة الصغيرة يوميا فتصل لكل الناس كبيرهم وصغيرهم، المثقفين منهم وقليلي العلم والثقافة؛ لتتراكم عندهم فتشكل آراء وتوجهات غير صحيحة، وتخالف المصلحة العامة، خصوصا في مجال الاقتصاد والقانون والسياسة والشريعة.

وبالطبع لا يمكن للقانون تصحيح هذه المعلومات والأخطاء، فليس هذا دور القانون إلا في حالات قليلة واضحة، وإنما هو دور المتخصصين وقادة الرأي والجماعات السياسية الحصيفة التي يجب عليها أن تخوض هذه المعركة لتبين وتنصح لتنقي المجتمع من تلك السموم والشوائب التي تجري في عروقه، وهي معركة طويلة ومستمرة ومضنية، ولكن لابد من خوضها.

ويقال في اللغة نصحت العسل أي نقيتة من الشوائب، وهكذا هي بلدنا الحلو، فهو أحوج ما يكون للنصيحة الخالصة، وهذا ما قام به مبادرو الإصلاح والتوافق الوطني في رسالتهم للوزراء والنواب التي احتوت على المعلومات والأرقام السليمة، خصوصاً فيما يتعلق بالوضع المالي للبلاد لعلها تجد أذناً صاغية.

آخر الكلام:

ذكرني أحد الإخوة بذكريات جميلة عندما نشر يوم أمس خبراً قديما يأمر فيه الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، بقفل القضايا التي رفعت على بعض النواب المطالبين بعودة العمل بالدستور ومجلس الأمة عام 1990 فيما يعرف بدواوين الاثنين، وكنت وقتها أحد المقبوض عليهم بسبب نشر صور مقالاتي في الدواوين التي أزورها، فتذكرت جهودنا وكم كنّا حريصين على الالتزام بالقوانين، فلم ندع إلى مظاهرات غير مرخصة، ولم نسمح بأي كلمة مساس أو تجريح في دواوين الاثنين التي أكدت المحكمة الدستورية في حكمها في الدعوى 1/ 2005 أنها لا تحتاج إلى إذن أو ترخيص مسبق، أما الأعداد الكبيرة التي حاولت وزارة الداخلية وقتها منع وصولها إلى الديوانية فكنا نطلب منها الانصراف حفاظا على الأمن وتحوطا من تعسف الداخلية، فكانت بالفعل جهودا طيبة لا مأخذ فيها، لذلك تم إقفال تلك القضايا فهل من معتبر؟