ثريا البقصمي، فنانة تشكيلية، شاعرة وقاصة، وأخيرا ككاتبة لروايتها الأولى (زمن المزمار الأحمر)، وهي بالدرجة الأولى فنانة تشكيلية متميزة تشهد لها معارض فنية عديدة حول العالم، وهي أيضا كقاصة لها 5 مجموعات قصصية تُرجمت إلى الإنكليزية والفرنسية واليابانية والصينية والروسية والفارسية والألمانية والإسبانية، وكشاعرة لها ديوان "في كفي عصفورة زرقاء"، وديوان صدر حديثا باسم "عباءة عشق على كتف القمر"، إنتاجها الفني الغزير يدل على قدرات فنية متعددة متميزة آتية من منبع فني واحد تصب في مصلحة الفن.

روايتها (زمن المزمار الأحمر) سيرة سجلت فيها ذكريات السنوات التي أمضتها في موسكو لدراسة الفنون الجميلة، مع كل الوقائع والحكايات التي عاشتها مع زملائها في سكن أو مقر "بادافاك"، المخصص لجنسيات مختلفة من الطالبات والطلاب من كل أنحاء العالم، غالبيتهم من العرب، يتقاسمون الحياة في هذه "الكميونة" الشيوعية، المراقبة بشكل تام من النظام السوفياتي، الذي يتكفل بجميع نفقاتهم الدراسية، ويوفر لهم السكن المجاني والعلاج، إضافة إلى راتب شهري، وكل ذلك من أجل شحنهم وحقنهم بسلاسة وروية بكل الأيديولوجيات والأفكار الشيوعية المعلبة والجاهزة لتصديرها إلى بلادهم، ومن ثم يتم نشر أفكارهم فيها.

Ad

ثريا اقتنصت بشطارة واغترفت من هذا الكنز الذي جاءها على طبق من ذهب، ولا أظن أن هناك طالبة كويتية حصلت لها مثل هذه الفرصة الذهبية قبلها، وخاصة أنها جاءت في سبعينيات القرن الماضي في عز تألق الفكر الشيوعي، وتأزم الحرب الباردة، وما تفتق عنها من أزمات حادة بين الولايات المتحدة وروسيا كادت تؤدي إلى تصادمات بينهما.

في هذا الوقت، وبعز تألق الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في الكويت، نجد طالبة كويتية تذهب في بعثة دراسية منحة من روسيا للدراسة فيها. صحيح أنها لحقت بزوجها المبتعث للدراسات العليا أيضا كمنحة من روسيا، لكن أن يذهبا إلى هناك في وقت كانت البعثات الجامعية الكويتية ترسل طلابها المدللين إلى بريطانيا وأميركا مع مخصصات مالية وراحة أكبر في السكن الخاص والعلاج وتذاكر إجازات مدفوعة، نجد المقارنة صعبة جدا، وإن كان في النهاية إنجاز متفرد يُحسب لهما.

لذا، كنتُ أتمنى لو أن ثريا أطلقت اسم سيرة مبتعثة كويتية في زمن الألق الشيوعي على الإصدار، لكان الأمر أكثر إبهاراً وتفردا وغرابة وخصوصية، لاسيما أن الكتاب عبارة عن حكايات لمجموعة طلبة جاءت كقصص صغيرة منفصلة عن بعضها، كما أنه لا توجد حياة درامية لبطلة العمل منسوجة ضمن هذه الحكايات، ومع هذا يبقى العمل جميلا بحكايات الطلاب الغريبة فيها الجانب الكوميدي والجانب الحزين، والرواية تصلح تماما للاشتغال عليها كمسلسل بعد أن تُعد دراميا.

أغرب حكاية هي محاولة المعلمة آنا بتروفنا تدريب البطلة ليلى على الغناء الأوبرالي الروسي المقام في نهاية الفصل الدراسي، لتغني أغنية وطنية عن النجمة التي تلمع فوق قبر جندي روسي قُتل في الحرب العالمية الثانية، وبعد تدريبات مكثفة على الوقفة الشامخة والرأس المرفوع، والأداء الحركي المدروس بدقة الذي يساعد على ترجمة كلمات الأغنية، كانت النتيجة كما جاء في هذا المقتطف:" في الاجتماع الذي سبق الحفلة بأسبوع، لم تعلم هل كان عبارة عن محاكمة ناتجة من شعورهم بأنها اعتدت على الإرث الروسي؟ أم كانت عملية سقوط أقنعة عن وجه البيروقراطية الكئيبة؟! كانت اللجنة مؤلفة من مدرِّسة أداء في معهد الموسيقى، وأستاذ في المسرح الاشتراكي، وعضو في الكمسول، وهو اتحاد الشبيبة الاشتراكي السوفياتي، وسيدة لم يذكر منصبها، لكنها كانت الآمر الناهي، وذات وجه متجهم، وعلمت بعد ذلك أنها تمثل جهاز المخابرات السرية (كي جي بي)".

هذه السيدة المتجهمة أحبطت حلم بطلة الرواية، التي هي ذاتها ثريا البقصمي، من الغناء الأوبرالي في الحفل، لكنها لم تمنع صوت ثريا من التحليق بالغناء الأوبرالي وباللغة الروسية في المناسبات الخاصة التي تُدعى إليها، وأنا من المعجبات بغنائها الجميل.

رواية أو سيرة "زمن المزمار الأحمر" تُلقي الضوء على فترة مهمة من تاريخ روسيا، ودورها في نشر الفكر الشيوعي في العالم، وخاصة العربي، عن طريق تقديم المنح الدراسية، وتسهيل كل احتياجات الطلاب، فقط لأجل نشر رسالتهم، استطاعت ثريا القبض على هذه الفترة المهمة من تاريخ زمن مضى، وكتبتها بلغة سهلة وبروح كوميدية ساخرة مرحة، وهو ما يميِّز طريقتها في الكتابة.