إذا أحببت أن أقوم بمراجعة للسنة الماضية وللسنة القادمة لجأت إلى أكثر رجالات الدولة إلماماً بالموضوع المحلّي أي إلى القادة العسكريين في البلاد، وقد صارحني أحدهم بصدق قائلاً: أميركا منقسمة سياسياً لدرجة قصوى تجعلنا ضعفاء أمام خصومنا في الخارج، ويخشى هؤلاء القادة العسكريون أنّ هذا الانقسام الحاد والشديد قد يجعل من الصعب حشد البلاد والمواطنين للحرب إن دعت الحاجة الى ذلك.

تعيش أميركا اليوم- في زمن السلم نوعاً ما- وسط الانقسام والاختلال الوظيفي، ولكن إن قدّر وواجهت خطراً محدقاً وجدياً من الخارج، لنقل من كوريا الشمالية المدججة بالسلاح النووي فإن من شأن هذه الشروخ المحلية والداخلية شلّ البلاد برمتها. يقلقني تقلّص مساحة الحكم هذا في نهاية السنة، والمشكلة تكمن في أعلى الهرم: الرئيس ترامب هو أكثر رئيس غير شعبي في عصرنا الحديث. فهو لم يحصل أبداً على التقدير الذي ناله سلفه باراك أوباما، لقد أخطأ قراءة البلاد: فلكما زاد الانقسام حول ترامب تفتتت البلاد ونقص إعجاب الناس به وفق استطلاعات الرأي.

Ad

يفاخر ترامب بشأن حسن أداء سوق الأسهم في عهده، وفي الوقت نفسه تجده يحارب وكالة الاستخبارات المركزية ورابطة الفوتبول الوطني ومجموعات أخرى يريد أن ينال منها لأنّ ذلك وفق رأيه يصبّ في مصلحته، وهكذا تزداد جروح البلاد حدةً وعمقاً، وتشير الاستطلاعات الى أنّ الجمهور العريض لا يصدّق ترامب أبداً فنسبة شعبيته لا تزال منخفضة جداً، ويواصل الجمهوريون خسارة شعبيتهم في ولاياتٍ أساسية كفرجينيا وألاباما.

تسلّم ترامب السلطة بهامش ضيق من الرضا الشعبي ولكن نسبة شعبيته الى تضاؤل مستمرّ منذ تلك الفترة وتحديداً منذ فبراير حين قفزت نسبة عدم شعبيته الى ما فوق الـ50%، وبقيت عدم شعبيته على المستوى نفسه حتى وصلت الى 56% في الصيف وفق استطلاعات للرأي جمعها موقع 538 الأميركي، ويبدو أنّ الرئيس لا يحصل إلا على رضا 38% من البلاد.

وكذلك أعطى مركز "بيو" للبحوث لمحة عن الموضوع هذا عبر منشورات وضعها قيد التدول أخيراً، ووجد "البيو" أنّ الانقسامات الحزبية اليوم أكبر منها من تلك الدينية أو الثقافية لدى القوى السياسية المؤثرة على سير الاحداث، وقد زادت الهوة بين الجمهوريين والديمقراطيين حول مسائل أساسية من 15 نقطة مئوية في عام 1994 الى 36 نقطة مئوية في يومنا هذا.

ويبدو أنّ الانقسامات الحزبية قد امتدّت لقضايا هناك براهين ملموسة بشأنها، ووجد "البيو" أنّ 27% فقط من الجمهوريين الذين أعلنوا أن لديهم إلماماً علمياً كبيراً يؤمنون بأنّ التغيير المناخي يسبّب ارتفاعاً في مستوى الأمواج أو ضرراً للحياة البيئية، مقارنةً بـ 75% لدى الديمقراطيين من الطراز نفسه.

وما يقلقني هنا هو أنه في أميركا ترامب لم يعد الناس يؤمنون بإمكان رأب الصدع بشأن هذه الانقسامات بل تراهم يشكّكون فيها، وفي استطلاع قامت به شبكة "سي بي سي" الإخبارية في يونيو تبيّن أنّ 55% من البلاد يؤمن بإمكان تقارب في الوجهات السياسية بين الأطياف المختلفة، أما في أوكتوبر فكان 47% فقط متفائلاً و51% شككوا في أنّ المصالحة ممكنة.

وكيف تبدو أميركا ترامب في العيون الأجنبية؟ وفق دراسة للـ"بيو" في الربيع الماضي انخفضت الثقة الدولية بالرئيس الأميركي من 64% في نهاية ولاية أوباما إلى 22% عند بداية ولاية ترامب، وارتفع عدد المعبّرين عن "عدم الثقة" من 23 الى 74%.

يبدو ترامب وكأنّه رجلٌ وطني يرفع السقف دائماً الى الأعلى ولعله يأمل توحيد الصفوف، ولكن مع نهاية العام هذا، تخبرنا الأرقام أنه جعل الانقسام يبلغ مستويات مقلقة بشكلٍ يقض مضجع أكثر داعميه شغفاً.

* واشنطن بوست