"البقاء للأصلح"، هذا هو القانون السائد في عالم الطبيعة، أي أن الكائن الأكثر قدرة على التكيف وتطويع ذاته كي يناسب بيئته– مهما كانت قسوتها- هو من سيبقى على قيد الحياة ويفوز أخيراً، فماذا عن تكيف الإنسان في بيئته الاجتماعية؟ هل يُعتبر من يملك القدرة على التعايش مع الفساد والتّلون على حسب الظروف أكثر نجاحاً؟ وهل من يقبل بالغثاء ويخضع لانخفاض المعايير بكل استسلام يكون أكثر سعادةً؟

يبدو الأمر كذلك! فهو يصبح بذلك جزءاً من قطيع اجتماعي "منه وفيه"، يسرحون معاً في عالم من الغفلة والجهل المبرمج، مطأطئين رؤوسهم أمام شاشات هواتفهم، والويل كل الويل لمن يرفع رأسه! حتى إن كان الحمل الوديع ذئباً في الخفاء، فلا حرج من ذلك طالما لبس رداء الصوف الأبيض في العلن بين أترابه، فازدواجية المعايير هنا مجرد زلة تغتفر!

Ad

كم هي سهلة حياة الإمّعية والقطعان! أما من يجرؤ على التفكير بشكل مختلف، وعيش رسالته الحقيقية المتفردة، فينتظره الكثير من الشقاء والألم في طريقه، ولسان حاله يقول: أنا أُفكر، إذاً أنا منبوذ! هو طفرة ترتقي بالمجتمع نحو التطور والنمو عن طريق تقديم الجديد من الفكر والفن والعلم والأدب، لكن المجتمعات الخاملة تكره التغيير، وإن كان إلى الأفضل. هي تمقت الاستقلالية، ولن يتركوا هذا المستقل وشأنه، فهو يشكل تهديداً لقناعاتهم ودائرة الراحة التي ركدت مياهها على مدى عقود من الزمن، يخاف منه أصحاب المصالح المستفيدون من نشر ثقافة التفاهة الاستهلاكية وكُره الحياة.

يا أديب أنت غريب! فالمثقف المستقل كالقط الأسود، يعتبره الناس نذير شؤم ويرشقونه بالحجارة. كُتِبَ عليه الشقاء، كل هذا بسبب أمر بسيط وطبيعي كلون فرائه! يرفضه الناس وهم في الحقيقة يتمنون لو كانوا أحراراً متفردين، يعيشون حياتهم بشجاعة كما يودون... مثله! لا يدركون أن رفضهم له ما هو إلا حالة إنكار وخوف من تلك الرغبات الدفينة.

كن قطاً أسود شجاعاً لا يهاب الاختلاف! فليس التكيف حميداً إن كان يعني التلوّن والنفاق والتخلي عن المبادئ والأحلام، وليس التكيف ميزة إذا لم تعد تعرف نفسك وسط حشود من النسخ الكربونية. لا تتكيف مع الرداءة، ولا تعش عَيْش الضعفاء، بل "كيّف" بيئتك وأعد تشكيلها نحو الجمال والازدهار، فالاختلاف ليس لحشد الاهتمام، ولا هو مجرد تطبيق لمبدأ "خالف تُعرف"، بل هو اتصال مع صوتنا الداخلي ورسالتنا المميزة التي أتى فيها كلٌ منا إلى هذا العالم. تلك الرسالة هي هبة الكون الثمينة لك، فلا تضيعها هباءً.